الوالدان
قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
أنعم الله تعالى على العباد بالوالدين اللذين بوجودهما نحيا؛ إذ أمضيا عمرهما في البذل والعطاء المتواصل، وانطلاقاً لما يقدّمه الوالدان لأولادهم في حياتهم منذ نعومة أظفارهم وحتى مماتهم؛ فقد فرض الله تعالى على عباده برهما والإحسان إليهما، وكما تغنّى بهما الشعراء، وكانا مصدر إلهامٍ لهم بكتابة قصائدهم، وفي الآية الكريمة أعلاه تتبيّن لنا كلّ معالم وسبل برّ الوالدين والإحسان إليهما؛ فذكرهما في القرآن الكريم دلالة على مدى عظمة مكانتهما عند الله تعالى.
برّ الوالدين
أمر الله تعالى ببّر الوالدين والإحسان إليهما، وبرّ الوالدين أقصى درجات البرّ؛ إذ يندرج تحته فعل كلّ ما يحبه الوالدان من رعايةٍ وعنايةٍ وطاعة، ومن دلائل عظمة مكانة برّ الوالدين عند الله تعالى؛ بأنه قد عدّ العقوق بهما من الكبائر التي يحاسب عليها الإنسان، واعتبر الإسلام برّ الوالدين من أعظم مظاهر البرّ في الإسلام؛ إذ لو أمضى المسلم عمره كلّه وأفناه ببرّ والديه وإرضائهم كان احسن وأفضل من جهاد النفس، ويُعرف برّ الوالدين بأنه طاعة الأم والأب، وإظهار جميع مظاهر الحب والاحترام لهما، ومدّ يد العون لهما وتقديم الخيرات.
ويعّد إرضاء الوالدين فرضاً بجميع الطرق ووسائل سواءً بالجهد أو المال، والحديث معهما بأحسن الطرق ووسائل والأدب والتقدير، ونهى الإسلام عن إظهار الضيق والتذّمر منهما والتضجر، وأمر الله تعالى المسلم بأن يطيع والديه حتى لو كانا مشركين، ففي قوله تعالى:" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" ، وفي هذه الآية الكريمة دليلٌ قطعيٌّ على وجوب طاعة الوالدين، إلا في حالة عصيان الله تعالى والخروج عن شرعه؛ إذ إنّه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ويتوّجب على المسلم أن لا يطيع والديه فقط في هذه الحالة الوحيدة، وإشراكهما لا يعني أن يكون عاقّاً بهما أي أن يبقى على إسلامه وإيمانه مع البقاء على برّهما والعمل على نيل رضاهما.
حقوق الوالدين
أعطى الله سبحانه وتعالى الوالدين حقوقاً على الأبناء، إذ يتوّجب على الأبناء القيام بهما أمراً وليس فضلاً، وهي:
- طاعة الوالدين والمداومة على تلبية الأوامر.
- تقديم الوالدين بكلّ شيءٍ بالكلام والمشي والطّعام، وهذا من مظاهر الإجلال والتقدير لهما.
- عدم إزعاج الوالدين وخفض الصوت عند الحديث لهما.
- انتقاء الكلمات وعبارات اللطيفة والمناسبة عند محادثتهما.
- المداومة على الدعاء لهما بالرحمة ولغفران.
فضل بر الوالدين
- برّ الوالدين سبباً بدخول الجنة.
- برّ الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فعن أبي عبدالرحمن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: الصّلاة على وقتها، قلت: ثمّ أي؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
- برّ الوالدين أهم واحسن وأفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى.
- اقتران رضا الله تعالى برضا الوالدين.
- برّ الوالدين وسيلةٌ للنجاة من نوائب الدهر.
عقوق الوالدين
انتشرت في الآونة الأخيرة بشكلٍ خاص ٍظاهرة عقوق الوالدين بكلّ أشكاله وألوانه؛ إذ يدّل ذلك على ابتعاد المجتمع وانحرافه عن الشريعة الإسلاميّة الحنيفة؛ إذ تناسى العاق بوالديه مصيره وعقابه بأنّه لن يدخل الجنة؛ ففي الحديث الشريف: "ثلاثة ٌلا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان بما أعطى"، ويعرف عقوق الوالدين بأنّه على النقيض التام لبرّ الوالدين، وهو عدم الامتثال لأوامر الله تعالى وفعل كلّ ما يغضبهم وإيذاؤهم، وقد يصل إلى الضرب والشتم والتخلّي عنهم، وقد توّعد الله تعالى العاق بوالديه بالعقاب الشديد.
آثار عقوق الوالدين
- الشقاء الدنيوي والأخروي للعاق بوالديه.
- العقوق بالعاق.
- عدم الراحة بالحياة.
- عدم حسن الخاتمة، والشدة أثناء سكرات الموت.
- الخلود بالنار.
ما هى اسباب عقوق الوالدين
- سوء التربية؛ إذ إن عدم صلاح التنشئة منذ الصّغر ينذر بعقوق الوالدين.
- عدم اهتمام الوالدين بأبنائهم عند بلوغهم الكبر.
- الدور السلبي لوسائل الإعلام المنحرفة.
- رفاق السوء وأهل الشر؛ إذ يعدّ الرفاق من أكثر الأشخاص تأثيراً على الشخص "فالمرء على دين خليله".
التوبة من عقوق الوالدين
هناك الكثير من البشر يندمون على فعلتهم بعد أن يُذنبوا؛ فالعاق بوالديه من الممكن أن يصحو ضميره قبل فوات الآوان، فعلى كل ّمَن يريد العودة عن ذنبه والتوبة من عقوق والديه أن يقوم بما يلي:
- كثرة الاستغفار.
- طلب السماح والعفو من الوالدين.
- العمل والمداومة على برّهما.
- تعويضهما عمّا بدر من عقوقٍ بالمعاملة الحسنى.
- الدعاء لهما، والتقرّب بكافة الطرق ووسائل إليهما.