ابن بطوطة
يُعتبر الرحّالة المغربي ابن بطوطة من أكثر الشخصيات التاريخية التي ارتبط اسمها بالترحال والسفر والغامرات، عمل ابن بطوطة كمؤرخ، وقاضٍ وفقيه، وهو محمد بن عبد الله بن مجمد اللواتي الطنجي، اشتهر بكثرة ترحاله فأطلق عليه لقب أمير الرحالة المسلمين، ولد في الرابع والعشرين من شهر فبراير عام ألف وثلاثمائة وأربعة ميلادي في طنجة في المغرب.
نشأ ابن بطوطة في كنف أسرة فيها علماء بأمور القضاء الإسلامي، وعاصر الدولة المرينية، وهو ذو أصول أمازيغية، تتلمذ ابن بطوطة في مدرسة سنية ذات مذهب مالكي، وكان يسود في شمال أفريقيا النمط التعليمي السنّي المالكي.
رحلات ابن بطوطة
انطلق ابن بطوطة بأولى رحلاته في شهر حزيران من عام ألف وثلاثمائة وخمسٍ وعشرين ميلادية، وكان آنذاك في الواحدة والعشرين من العمر، فتوّجه لأداء مناسك الحج براً واستمرت رحلته لمدة سنة وأربعة أشهر، وتغرّب بعدها عن بلاده لمدة أربع وعشرين عاماً، وعانى خلال هذه الفترة من الوحدة، وخلال الأربعة وعشرين عاماً التي غابها عن بلاده طاف أنحاء أفريقيا فزار بلاد المغرب العربي، ومصر، والسودان، وبلاد الشام، وأرض الحجاز، وتهامة، والعراق، وبلاد فارس (إيران)، واليمن، والبحرين، وتركستان، وعمان، وبلاد ما وراء النهر، والهند، وبلاد التتار، وأواسط أفريقيا.
نظّم ابن بطوطة العديد من القصائد الشعرية في مدح ملوك وأمراء الأمصار التي زارها، وكانت هباتهم مصدراً يساعده على مواصلة رحلاته وأسفاره، وبعد مضي الفترة الطويلة عاد إلى مسقط رأسه، وجمع تفاصيل رحلته في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" وكتبها له محمد بن جزي الكلبي في عام سبعمائة وست وخمسون هجرية، وتمّت ترجمة هذه السيرة الذاتية إلى العديد من اللغات من أهمها الألمانية والإنجليزية والفرنسية والبرتغالية.
تمكّن ابن بطوطة من تحطيم الرقم القياسي في المسافات التي قطعها خلال سفره وترحاله؛ حيث بلغت مئة وواحد وعشرين كيلومتراً، وفيما يلي تفاصيل لرحلاته حول العالم التي قام بها:
- رحلته إلى العراق وبلاد فارس: كانت أوّل رحلة توجه إليها ابن بطوطة بعد أداء مناسك الحج، توجّه بين قوافل الحجيج العائدة إلى العراق وبلاد فارس، وكان ذلك في السابع عشر من شهر نوفمبر عام ألف وثلاثمائة وستة وعشرين ميلادي، واستمرّت الرحلة نحو العراق مدة بلغت أربعة عشر يوماً، سلك الحجاج الطريق إلى العراق قاطعين شبه الجزيرة العربية انطلاقاً من شمالها في المدينة المنورة ثمّ وصولاً شرق هضبة نجد ثم النجف في العراق، وزار خلالها ابن بطوطة مقام وضريح الصحابي الجليل علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، رابع الخلفاء الراشدين، ولم يواصل السفر مع قافلة الحجاج بل توقف في النجف واستضافه حاكم الموصل، وقاضي ماردين حيث منح الأخير ابن بطوطة بعض النقود الفضية النادرة.
انتقل بعد النجف إلى واسط ومرّ بنهر دجلة ثم البصرة، وكان ذلك بعد مرور ستة أشهر من زيارته للنجف، قطع ابن بطوطة جبال زاغروس قاصداً أصفهان في إيران، ومن ثم مدينة شيراز في جنوب إيران وكانت معروفةً بازدهارها، لم تمتدّ لها أيدي المغول خلال الحروب والهجمات التي ألحق الدمار بمدن شمال بلاد فارس، وفي شهر حزيران من عام ألف وثلاثمائة وسبعٍ وعشرين ميلادية عاد إلى بغداد قاطعاً الطريق ذاتها التي سلكها إلى إيران، والتقى حينها بآخر حكام المغول وهو أبو سعيد وكان والياً على وحدة ايلخاتان.
اتّجه بعد ذلك ابن بطوطة مع القوافل الملكيّة نحو شمال البلاد قاطعاً طريق الحرير وصولاً إلى تبريز، وقام المغول بتدمير هذه المدينة والتي كانت تعد مركزاً تجارياً ذا أهميّة بالغة، وكان الهدف من تدميرها قطع طرق ووسائل وسبل التجارة على الأعداء القريبين من المدينة، ووصل إلى نهر دجلة في نزهة، ومن ثمّ زار الموصل وقصد جزيرة ابن عمر وماردين أي تركيا في الوقت الحاضر، وعاود الانضمام لقوافل الحجاج عند عودته للموصل، وأدّى مناسك الحج مرّة أخرى، ولكنه كان مريضاً عند وصوله مكة المكرمة.
- رحلته إلى شبه الجزيرة العربية: أقام ابن بطوطة مدّة ثلاث سنوات تقريباً في مكة المكرمة، من شهر سبتمبر عام ألف وثلاثمائة وسبع وعشرين وحتى حلول عام ألف وثلاثمائة وثلاثين ميلادية، ليتجه بعد ذلك نحو ميناء جدّة قبالة سواحل البحر الأحمر، وامتطى بعدها السفن وتوجّه من هناك نحو اليمن، فزار منطقة زبيد ثم قصد الهضبة المرتفعة في تعز والتقى هناك بالملك نور الدين علي، ويشار إلى أنّه وفق كتابه زار صنعاء، وميناء عدن التجاري.
- رحلته إلى الصومال: قصد ابن بطوطة الصومال بعد أن انتهى من زيارة عدن؛ حيث امتطى سفينةً كانت في طريقها إلى الساحل الصومالي، فزار مدينة زيلع الصومالية، ثم انتقل إلى جنوب الساحل الصومالي ليزور منطقة كاب جوردفوي، وأقام لمدة أسبوع في كل مدينة صومالية زارها، وانتقل فيما بعد إلى مقديشو وبلد البربر التي يطلق عليها اسم القرن الإفريقي، ويُشار إلى أنّ مقديشو كانت في أوج ازدهارها حيث وصفها بالمدينة الكبيرة بإفراط.
وزار بعد ذلك بلاد الزنج كتعرف ما هو متداول لدى العرب؛ وهذه البلاد تقع في جنوب البلاد في ساحل السواحيلي، ووصل في ذلك إلى جزيرة متناهية الصغر وهي جزيرة مومباسا، ثم المدينة الساحلية كيلوا، وأظهر إعجابه بكيلوا من خلال ما دونه في كتابه، وانتقل بعد ذلك إلى جزيرة العرب، وعبر مضيق هرمز وصولاً إلى عُمان ثم إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج للمرة الثالثة، وكان ذلك في عام ألف وثلاثمائة واثنين وثلاثين.
- رحلته إلى الشرق الأدنى وآسيا الوسطى وجنوبها: اتّجه ابن بطوطة للهند مع قوافل الحجاج المتجهة إلى هناك، فرافق سلطان دلهي المسلم محمد بن توغلوك وعمل مترجماً له ودليلا، انتقل بعدها إلى بلاد الشام وقصد ميناء اللاذقية في سوريا، وانتقل إلى تركيا نزولاً في آلانيا على السواحل الجنوبية، وبعدها إلى قونية ثم سنوب الواقعة على سواحل البحر الأسود، وصولاً إلى شبه جزيرة القرم، وزار مملكة القبيلة الذهبية فنزل في ميناء مدينة آزوف واجتمع فيها بأمير خان، وغادر أراضيها إلى المجر، ثم بولعار في الشمال وتعّد النقطة الأعلى التي وصل إليها، ثم إلى استراخان، وتوجّه إلى القسطنطينية في أواخر عام ألف وثلاثمائة وأربعٍ وثلاثين، واجتمع هناك بالإمبراطور أندرونيكوس باليولوقوس الثالث، وعاد إلى استراخان ثمّ انتقل إلى ساراي آل الجديد ثم بحر قزوين، ثمّ بحر آرال، ثم بخارى فسمرقند، ثم أفغانستان، وقطع الممرات الجبلية ووصل إلى الهند.
- رحلته إلى آسيا والصين: أقدمت إحدى العصابات على الهجوم على القافلة التي كان بها ابن بطوطة المتجهة نحو الصين فتشتت شمل القافلة، وتمكن بعد ذلك من الالتقاء بهم واللحاق بهم وأكمل معهم الرحلة نحو كهومبهات الواقعة في ولاية غوجارات في الهند، ثم كاليكوت، وكانت رحلته إلى جنوب آسيا والصين من أكثر الرحلات صعوبةً؛ حيث غرقت إحدى السفن إثر هبوب عاصفة هوجاء.
زار خلال رحلته إلى جنوب آسيا والصين كلّاً من أندونيسيا ودلهي، وجنوب الهند، ومنطقة هوسباتانا، وترك الهند وقصد الصين فزار في طريقه إليها جزر المالديف، وبقي بها تسعة أشهر، ثم انتقل إلى سيرلانكا، وزار خلال إقامته بها المعبد الشهير سري بادا وتينافرام، وزار كوريكود، وميناء شيتاغونغ في بنغلادش، وبعدها إلى ولاية أسام، وصولاً إلى جزيرة سومطرة؛ ففيتنام، فالفلبين، وصولاً في نهاية الرحلة إلى مدينة تشي وانتشو في الصين، وبعدها مدينة هانغشتو.
- رحلته إلى الأندلس وشمال إفريقيا.
- رحلته إلى مالي وتمبكتو.
- العودة إلى موطنه.
كتابه تحفة النظار
ألّف ابن بطوطة كتاباً يروي تفاصيل رحلته حول العالم ووضعها تحت مسمى "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، كما يحمل هذا الكتاب اسم رحلة ابن بطوطة، ويُصنّف على أنه سيرة ذاتية لحياته، فكان يتطرّق بشكل موسع لكل أرضٍ داستها قدماه فيذكر أهلها وحكامها وعاداتها وتقاليدها وكلّ ما يتعلق بها من ثقافات وفنون ومجالات الحياة.
جاء تدوين هذا الكتاب بأمرٍ من السلطان أبو عدنان المريني، فكلّف الفقيه الأندلسي ابن جزي الأندلسي بتدوينه على أن يمليه عليه ابن بطوطة، وتحدّث الكتاب عن بلاد المغرب وساسته، وخصّص باباً حول مملكة غرناطة، وآسيا، كما خصّص باباً يحمل عنوان "الفقيه ذي اللوثة" للتحدّث عن أنّ تيمية؛ وهو أحد كبار علماء المذهب السني الحنبلي.
وفاة ابن بطوطة
انتهت حياة الرحّالة المغربي ابن بطوطة بعد رحلة استمرّت سبعاً وعشرين عاماً جاب بها أنحاء العالم، وكان ذلك في سنة ألف وثلاثمائة وسبعٍ وسبعين ميلادية، سبعمائة وتسع وسبعين هجريّة عن عمرٍ يُناهز ثلاثةً وسبعين عاماً، ووارى جثمانه ثرى مسقط رأسه طنجة، وأقيم له ضريح في المدينة القديمة في طنجة.