من بين الغزوات التي كان لها أعظم الأثر في نفوس المسلمين معركة حنين؛ حيث كانت فيها العبر والدّروس الكثيرة، وإنّ أعظم درس مستفادٍ من هذه الغزوة هو أنّ على المسلمين ألّا يغترّوا بكثرة عددهم وعدّتهم، وأن يعلموا بأنّ النّصر هو من عند الله تعالى؛ حيث كانت كلمتهم الشّهيرة في هذه الغزوة حين قالوا لن نغلب اليوم من قلّة كفيلةً بتعرّضهم لامتحانٍ شديد وابتلاء؛ حيث لم تغني عنهم كثرتهم شيئًا، فقد كان عدوّهم متربّصٌ بهم يتحيّن الفرص لمجيئهم حتّى ينقضّ عليهم، وقد تولّى الكثير من المسلمين وانفضّوا عن رسول الله عليه الصّلاة والسّلام إلا قلّة منهم، ثمّ شاء الله تعالى بفضله وكرمه أن تتحوّل المعركة لصالح المسلمين في نهاية المطاف.
وقد حدثت غزوة حنين في السّنة الثّامنة للهجرة، وتحديدًا في شهر شوّال بعد فتح مكّة وصلح الحديبيّة؛ حيث أصبح المسلمون قوّةً يرهب جانبها في الجزيرة العربيّة، وقد أغاظ هذا الأمر قبائل في الجزيرة العربيّة بقيت على الكفر كان أبرزها قبيلة هوازن وثقيف، وقد أجمعوا أمرهم على حرب المسلمين، فاجتمعوا لأجل ذلك وأعدّوا العدّة، وكان قائدهم وزعيمهم مالك بن عوف النّضري زعيم هوازن، وقد رأى أن يخرج الرّجال مع نسائهم وذراريهم ومواشيهم وأموالهم حتّى تكون حافزًا لهم على أن لا يفرّوا من المعركة أبدًا، وقد قرّروا بناء على رأي زعيم لهم اسمه دريد بن الصّمه أن يكمنوا في وادي حنين، وهو وادي كثير الشّجر بين مكّة والطّائف، وأن يختبئوا بين الشّجر حتّى لا يراهم المسلمون.
وقد قرّر النّبي عليه الصّلاة والسّلام بعد أن علم بنيّة الكفّار مهاجمة المسلمين أن يخرج إليهم، فجهّز جيشًا قوامه ما يقارب اثنا عشر ألفًا من المقاتلين، وقد تسلّحوا سلاحًا جيدًا، وعندما قدم النّبي الكريم بجيش المسلمين إلى حنين أمر أحد الصّحابة بالصّعود إلى جبل حتّى يرصد الكفّار، وعندما همّوا بالنّزول إلى الوادي باغتهم الكفّار بالنّبل والرّماح والسّهام، وقد فرّ كثيرٌ من المسلمين بسبب ضراوة المعركة، ولم يصمد مع النّبي إلا قليل، وقد كلّف النّبي عمّه العبّاس أن ينادي بصوته الجهوريّ المسلمين لحشدهم من جديد لمهاجمة الكفّار، وقد كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يقول هلّموا إلي أنّا النّبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وقد مسك حثوة من تراب ورمى بها القوم قائلاً شاهت الوجوه فأعمت تلك الرّمية أعين الكافرين، ثمّ حمل المسلمون عليهم مرّةً أخرى حتّى انهزموا وانكفؤوا هاربين تاركين غنائم كثيرة وراءهم، وقد انتصر المسلمون في هذا المعركة في نهاية الأمر بتأييد الله بجنوده من الملائكة، وبفضل ثبات النّبي الكريم والّذين معه.