مقدمة
إنَّ رَجُلاً من أغنى أغنياءِ قريشَ يُدعى (الوليد بن المغيرة)، - وهو من الذين لم يُصَدِّقُوا رسالةَ النبي صلى الله عليه وسلم، فمات وهو على ملة الكفر-، كان ماراً حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ من سورة غافر (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، فذهب إلى قومه وقال " والله لقد سمعت من محمدٍ آنفاً كلاماً تعرف ما هو من كلامِ الأنس ولا من كلامِ الجن، إنَّ له لحلاوةٌ، وإن عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمثمرٌ، وإنَّ أسفله لمغدق، وإنَّه يعلو وما يُعلى عليه"، ومعروف عن قريش فصاحتهم وبلاغتهم، فاللغة العربية هي لغتهم الأم،
عجباً لمن يقرأُ القرآن الكريم ولم يؤمن به، بل ولم يستشعر حقاً أنَّه كلامٌ من عندِ الله تعالى، وفي مقالتي هذه، أكتبُ ما تيسر لي عن القرآن الكريم من تعريفه، ووصفه، وطريقة نزوله وفضله، ثم أتطرق ووسائل للحديثِ عن سورة يس والمعروف أنّها قلب القرآن الكريم، وكلي يقين أنني مهما كتبت لن أكتب ما مقداره قطرة ماءٍ من بحرٍ طويل.
القرآنُ الكريم
هو كلام الله المُنَزّل على الرسولِ محمد صلى الله عليه وسلم، المُعجز بلفظِه، المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المبدوء بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس، وهو معجزةُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تحدَّى اللهُ عزّ وجل أهل اللغة العربية فيه، فتحداهم بأن يأتوا بمثله بل بسورة من مثله بل بأية، ولكنّهم عجزوا عن ذلك، وقد جُمع القرآن الكريم في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وهو الرسم العُثماني الذي يطبع حتى يومنا هذا في كلِّ الدول الإسلامية، وقد قسَّم أهلُ العلمِ القرآنَ الكريم إلى ثلاثين جزءاً؛ لترتيبه ولتسهيل قراءته وحفظه، وينقسم كل جزء إلى أحزاب، وكل جزء يحتوي على مجموعةِ سور، والسورة تحتوي على مجموعة آيات، كما تبدأ كلّ سورِ القرآن بالبسملة إلّا سورة التوبة، وتنقسم السور إلى سور مَكِّية ومدنية، فالمكّية هي التي نزلت في مكة، والمدنية هي التي نزلت في المدينة، كما تنقسم السور من حيث الآيات إلى طوال وهي سبع سور (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام الأعراف، التوبة)، ومتون وهي التي تأتي بعد الطوال في طول الآيات، وقصار السور.
كيف نزل القرآن الكريم
لقد نزلَ القرآنُ الكريمُ مُفَرقاً على الرسولِ صلى الله عليه وسلم حسب الحوادثِ والأحوال، فهو لم ينزلْ جملة واحدة، وهذا القول متفقٌ عليه، وقد جاءَ في القرآنِ الكريم ما يثبت صحة هذا القول في الآية الثانية والثلاثين من سورة الفرقان، كما وتُدلّل على صحة هذا الرأي "حادثة الإفك"، وهي الحادثة التي مست عرض الرسول صلى الله عليه وسلم بأحبِ زوجاته إليه، وهي عائشة رضي الله عنها، فقد انتظرَ الرسول صلى الله عليه وسلم أياماً حتى نزل الوحي عليه بالآية التي بَرَّأت أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي الآية الحادية عشر من سورة النور، وهناك أمورٌ أخرى تثبت صحة هذا الرأي، والحكمة من نزولِ القرآن مُفرَّقاً هي أنَّ نزول الآيات عند وقوعِ الحدث يعطيها شأنا عظيما، وتثبت في الأذهان.
واختلفَ علماءُ الدين على أصل نزول القرآن الكريم، فهناك بعض الآيات التي تدلل على نزول القرآن في وقتٍ واحد وهو شهر رمضان، وآيةٌ أُخرى تدلل على نزوله في ليلةِ القدر، وللعلماء في ذلك وجهان:
- أمَّا الوجه الأول فهو أنَّ القرآنَ الكريم قد نزلَ ليلة القدر جملة واحدة، من اللوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا، وبعدها نزل مُفَرقاً على نحوِ ثلاثٍ وعشرين سنة، وهذا قولُ أكثر العلماء.
- والوجه الثاني هو أنَّه قد نزل أوله في ليلةِ القدر، ثم نزلَ مُفرقاً على الرسولِ صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ وعشرين سنة.
فضلُ قراءة وحفظ القرآن الكريم
لقد جاءت آيات كثيرة من القرآن الكريم تظهر مدى فضل من يقوم بتلاوته، كما أمر الله عز وجل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقوم بتلاوته فقال له (ورتل القرآن ترتيلا)، فتلاوة القرآن الكريم عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، حيث يتنافس المسلمون على تلاوته، وجاء في الأحاديث النبوية الشريفة عن فضل تلاوة القرآن، فتلاوة القرآن بركة في الأولى والآخرة، وكل حرف يقرأ من القرآن الكريم بعشر حسنات، والقرآن الكريم يشفع لأصحابه يوم القيامة، وإن في حفظ القرآن الكريم فضل عظيم حيث:
- إنَّ حفظَ القرآنِ سُنَّة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
- يشفعُ القرآنُ يوم القيامة لحافظيه، وقارئيه.
- يُنَجِّي حفظُ القرآنِ من النار.
- يُرفعُ حافظُ كتابِ الله في الجنة درجات.
- يُكرمُ اللهُ حافظَ القرآنِ في الدنيا والآخرة.
- في الصلاة يتمّ تقديم حافظ القرآن على كلِّ المُصلِّين للإمامة.
- حفظُ القرآنِ وتَعَلُم أحكامِه خيرٌ من الدنيا وما فيها.
- حافظُ القرآنِ يُلْبِسُ والديه تاجَ الوقارِ يوم القيامة.
ولمَّا كانَ الحديثُ في هذا المقالِ عن قلبِ القُرآن، دعونا نتعرف أكثر على سورة يس.
سورةُ (ياسين)
هي سورةٌ من سورِ القرآن الكريم، وهي السورة التي تحمل الرقم السادس والثلاثين بين سور القرآن الكريم حسب المصحف العثماني المُتَّبعُ في كلِّ الأمصار الإسلامية، عددُ آياتِها مائة واثنان وثمانون آية، كُلها مكية، وقد اختلف أهلُ العلمِ في الآية الثانية عشر بأنَّها مدنية، فيقولون أنَّها نزلت في بني سلمة وهم من الأنصار، حيث إنَّهم أرادوا أن ينقلوا مسكنهم فيجاوروا المسجد النبوي، ولكن الرأي الراجح أنَّ السورة نزلت في مكة ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم استشهد بتلك الآية في تلك الحادثة، وتبدأ سورة (ياسين) بحرفي (الياء، والسين)، وهذا هو سبب التسمية، فيقول بعض المفسِّرين أنَّها من فواتحِ السور، تماماً كما افتُتِحَت البقرة بِأَلِف لَام مِيْم، ويرى البعضُ الآخر أنَّ يس هو اسمٌ من أسماءِ النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، حملت سورة ياسين الكثير من المواعظِ والعِبَر، وقد تحدثت عن توحيد الله، تماماً كما في السور المكية، ويشتدّ التركيز في هذه السورة على قضية البعث والنشور، كما تحدثت عن قصة حبيب النجار، وهو رجلٌ آمن بالرُسلِ فذهبَ لقومِه لكي يعظهم ويحثهم على الإيمان بالله ورسله، ولكنَّ قومه سرعان ما هاجموه ورجموه حتى مات، وعقاباً لهم أرسل الله عز وجل جبريل عليه السلام، فصاح بهم صيحةً أرْدتهم موتى جميعاً، كما جاء في السورة.
فضل سورة (ياسين)
لقد ورد الكثير عن فضل سورة ياسين، ولكن بعد التعمق في البحث كنت أجد أن معظم الأحاديث المسند إليها هذا القول ضعيفة، ليس اجتهاداً مني وإنّما اجتهاد من علماء الدين اللذين نقلت عنهم القول، وقد شاع وانتشر بين الناس أن (يس لما قرأت له)، ويقصدون أنها تساعد على قضاء الحوائج وتسهيل الأمور على الناس، ولكن لا يجوز أن ننسب هذا الكلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن ثبوت هذا القول بالتجربة لا يعني أن هذا الحديث صحيح، ولم يأتي حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل هذه السورة، ولكن لا ننسى أن فضلها عظيم كونها إحدى سور القرآن الكريم، وكونها بدأت باسم من أسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبشكل عام فتلاوة القرآن عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل.
قلب القرآن
جاء عن سورة ياسين أنّها قلب القرآن في حديثٍ نُسِبَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم أنّه قال (لكل شيء قلب، وقلب القرآن يس)، ولكن هذا الحديث يعتبر من الأحاديث الضعيفة، حيث لم تثبت صحته، ولا يعني ضعف هذا الحديث أن سورة ياسين لا فضل لها، فيكفي أنّها من كلام الله كسائر سور القرآن الكريم، وهي سورة عظيمة، احتوت على قصص وعبر كثيرة، ولكن الشائع بين الناس أن سورة ياسين هي قلب القرآن.
وأخيراً أنبّه إلى أنَّ كل ما تناوله هذا المقال، منقولٌ عن علماء الدين وأهل العلم، وما كنت إلّا وسيطاً ينقلُ المعلومات ويسهل الوصول إليها، اللهم إني قد جاهدت نفسي كي لا أُخْطِأَ النقلَ، اللهم لك تُبتُ إن كنت قد أخطأتُ وأسأت.