أنزل الله سبحانه و تعالى القرآن الكريم على سيّدنا محمّد عليه الصّلاة و السّلام جملةً واحدةً في شهر رمضان و تحديداً في ليلة القدر ، ثم أنزل منجماً على حسب ما هى اسباب النّزول ، فكان القرآن معجزةً النّبيّ محمّد صلّى الله عليه و سلّم و قد تحدّى الله البشر أن يأتوا بسورةٍ مثله ، فهو المعجز بكلامه المتعبّد بتلاوته ، و هو الكتاب المبين و الذّكر الحكيم ، ذكر الله فيه أخبار من سبق ، و جعل فيه قصصاً سلّى فيها قلب الرّسول و ثبّته و كانت فيه عبر للمؤمنين ، و كان القرآن شريعةً بما يحتويه من أحكامٍ و تشريعاتٍ تحكم حياة المسلم و المجتمع ، فمن أعرض عنه من جبارٍ و حكم بغيره أذلّه الله ، و من اهتدى بهديه أفلح ، هو الكتاب الذي لا يخلق على كثرة الردّ و لا تنقضي عجائبة ، هو كلام الله الذي بقراءته تشعر و كأنّ الله يكلّمك و يخاطبك ، فهو النّور المبين الذي يرسم للمسلمين طريقهم فلا يضلّوا أبداً .
و قد رتّب الله سبحانه و تعالى على قراءة القرآن الأجر الكبير ، فبكلّ حرفٍ له حسنةً إلى عشر أمثالها ، و قارىء القرآن الماهر فيه مع الكرام البررة و الذي يقرؤه و يتأتؤ فيه فله أجران ، و قد بيّن الرّسول الله صلّى الله عليه و سلّم فضل قارىء القرآن و معلّمه بقوله خيركم من تعلّم القرآن و علّمه ، فجعل خير النّاس من يعلمون النّاس القرآن ، و كذلك فإنّ القرآن الكريم يأتي شفيعاً يوم القيامة لمن كان يقرؤه و يعمل به ، و من ثواب قارىء القرآن أنّه يأت به يوم القيامة و يقال له إقرأ و ارتق و رتّل كما كنت تقرأ في الحياة الدّنيا فإن منزلتك عند آخر آيةٍ تقرؤها .
و لا ريب أنّ قراءة القرآن مع العمل به هي من أوجب الواجبات ، فقد ضرب الصّحابة و السّلف الصّالح أروع النّماذج في ذلك فكانوا يقرؤون عشر آياتٍ من كتاب الله فلا يجاوزوها حتى يتعلّمون ما فيها من قولٍ و عملٍ ، و قد نعى رسول الله صلى الله عليه و سلّم أقواماً يخرجون بعده يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم أي حناجرهم ، بمعنى أنّهم لا يفهمون أحكامه و مقاصده و هي فرقة الخوارج التي عاثت فساداً في ديار المسلمين ، فالمسلم يقرأ آيات ربّه و يتدبّرها بعقلٍ و بصيرةٍ .