مفهوم وتعريف ومعنى السعادة في الفلسفة
إنّ اختلاف المذاهب الفكريّة والفلسفيّة منذ الإغريق وحتى العصور الحديثة يؤدي إلى الاختلاف في النظر المفاهيم المتنوّعة والتي منها مفهوم وتعريف ومعنى السعادة، فمنهم من يراها في الذات الحسيّة، والبعض يراها في التفكير والوعي العقليّ، ومنهم من يجدها في الحس والفكر معاً، وفي هذا المقال سنتطرق ووسائل إلى آراء بعض الفلسفة العظماء في النظر إلى مفهوم وتعريف ومعنى السعادة وتحديده.
السعادة عند أرسطو
يرى أرسطو أنَّ السعادة ترتبط بتحقيق الخير، حيثُ تتحدد باللذة، وهي الفضيلة التي تقود الفرد إلى السَّعادة بقوىً إراديّة من خلال اتباع الاختيار الذي يدفعه إلى التأمل، وأكد أرسطو أن السعادة الحقيقية تتحول إلى العشق الميتافيزيقي وإلى السعادة الفكريّة والروحيّة، ويرى بأنّ السعادة عبارة عن مسألة جماعيّة وليست فرديّة، ولكل شيء غاية، وغاية السياسة هي السعادة، ويقترح منهجاً تركيبيّاً نسبياً ومطلقاً يؤدي للوصول إلى الخير الأسمى والأكبر؛ لذلك يصنف أرسطو السعادة إلى أنواع وهي: السعادة المرتبطة باللذة الحسيّة وتكون في نظره عند السواد الأعظم من الإنسان الأكثر غلظة وقساوة، والنوع الآخر هو السعادة المرتبطة بالشرف والتشريفات وتوجد عند الطائفة السياسيّة، والنوع الآخير هو الذي يقيم السعادة على أساس من التأمل، كما ويرى أرسطو صعوبة الإقرار بمدى سعادة الفرد بعد موته، لأنّ ذريته وسلالته قد تشقى بعد موته؛ لذا فالسعادة مسألة حكمة وتريّث، ومسألة عقل وفكر خاصة في الجانب المتعقّل من الفرد.
السعادة عند الفارابي
يعتقد الفارابي أنّ السعادة ليست في السعادة الشخصيّة، وإنما في السعادة الجماعيّة، فهو يبحث في الأشياء التي تحقق السعادة لأهل المدن كجماعة؛ لذلك نجد الفارابي يقرُّ بأنَّ المعقولات والأفكار الإراديّة توجد في الروح، وأنَّ الأفكار الطبيعيّة المُنتمية إلى علم المبادئ توجد في الجسد، فالسعادة غاية في حد ذاتها ما دامت تطلب وتأخذ لذاتها بعيداً عن أي نوع من المصلحة، وفي نظره فالسعادة لا ترتبط بالجسد وليست إشباعاً للذة، كما ويطرح الفارابي أنّ السعادة غير متوفرة في عالم الحس وأننا لا نولد سعداء؛ إنتعرف على ما هى في التفكير والفهم والوعي الفكريّ العميق للأشياء، مما يعني هذا أنّ السعادة ممارسة للتفكير والتأمل والاحتكام إلى المنطق بالتمييز بين الصحيح والخاطئ، و قوة التمييز هذه مرتبطة بقوة الذهن على تحصيل الصواب الذي نأخذ به، الباطل الذي نتجنّبه.
السعادة عند ابن مسكويه
ويرى أنّ السعادة جسميّة ونفسيّة في الوقت نفسه، لأن الطبيعة الإنسانيّة ذات نفسيّة تعكس الفضيلة والروحانيّة، فالسعادة الدنيويّة في نظره ناقصة لانطلاقها من عالم الحِس، فلا بد من تعرض صاحبها للألم والحسرات، فمثلاً حتى نشعر بلذة الطعام لابد من أن نشعر بألم الجوع، وحتى نشعر بسعادة المال لا بد من العمل بتعب حتى تحصيله، والسعادة الأخرويّة هي الاحسن وأفضل والأكمل، لأنّ صاحبها يتمتع بالخير، فهو مُقيم بروحه الداخلية بالقرب من الملأ الأعلى، حيثُ يستنيرُ بنور الإله القادر؛ لذلك فالفرد يكون بعيداً عن الألم والحسرات الدنيويّة التي تُشقيه فالأخلاق هي غاية السعادة، فلا بد من تهذيب الخُلق وتقويمه للوصول إليها، والالبحث عن السُّبل للمحافظة عن الأخلاق السليمة.