كيف يغفر الله ذنوبي
إن الله _ تبارك وتعالى _ خلق الإنسان، وهداه الطريقين، طريق الخير وطريق الشر، وجعله مخيّراً، وأودع فيه النفس الأمّارة بالسوء، فما الحكمة من هذا الابتلاء؟ إن الله عندما خلق النفس أمّارة بالسوء، خلق الضمير، ليتميّز الخبيث من الطيّب، فعندما خلق الله الداء جعل له الدواء، فكل إنسان يذنب، فالنفس تأمر بالشر، والشيطان يوسوس، والإنسان خُلق طمّاعاً، حتماً سيقع في الذنوب، فأين الدواء لهذا الداء؟
"كلُّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون" نعم التوابون، فالتوبة هي أنجع دواء للذنب، ولكن تعرف ما هو الذنب؟ وتعرف على ما هى التوبة؟ وهل لها من شروط؟ وكيف أتوب؟ وكيف يقبل الله توبتي؟ أسئلةٌ كثيرة تجول بذهن العبد, وسنتحدّث في مقالنا عن كل ذلك بإذن الله.
تعرف ما هو الذنب
الذنب هو: كل معصيةٍ أو خطأٍ أخطأه الشخص بحق الله _سبحانه وتعالى_ أو بحق العباد، وله أنواع:
تعرف على ما هى التوبة
التوبة: هي الندم والاستغفار من الذنب, والإنابة والرجوع إلى الله بقلبٍ نادمٍ، خائفٍ، راجٍ رحمةِ الله وعفوه، ولكن تعرف على ما هى شروط التوبة؟
شروط التوبة
إن شروط التوبة ثلاثة شروطٍ، ورابع يتعلق بحقوق العباد، وهي كالتالي:
- الإقلاع عن الذنب فوراً، دون تسويف، أو تأجيل.
- النّدم ندماً شديداً على الذنب، فلا يحنّ إلى ذنبه، بل عليه أن يجاهد نفسه على ألّا يتذكّره.
- العزم على عدم العودة إلى الذنب، فيبتعد عن كلِّ ما يمكن أن يعيده إلى ذنبه.
- أما الشرط الرابع المتعلّق بالعباد، فهو إعادة الحقوق إلى أصحابها، فمن أكل مالاً مثلاً بغير حق، فعليه أن يعيد المال إلى أصحابه.
فمن جمع شروط التوبة، ورجع إلى طريق الهدى بقلب منيب، فبإذن الله هو من الفائزين, الّذين يحبّهم الله, ويحبّهم أهل السماء, ويوضع لهم القبول في الأرض.
أريد أن أتوب ماذا أفعل
كثيراً ما تحيّرنا البدايات، كيف أبدأ؟ وماذا أفعل؟
إنّ من أراد الرجوع إلى طريق الاستقامة، لابدّ له من جدول يسير عليه ليسهّل عليه الطريق، أول ما يفضّل لمن أراد التوبة أن يفعله، هو تحديد هدف يسعى إليه، وأقول هدف وليس أهداف، فمن أراد هذا وذاك لن ينال شيئاً، فالأولى أن يضع الشخص هدفاً واضحاً أمامه يسعى للوصول إليه، فمثلاً نريد أن نحافظ على الصلوات المكتوبة في أوقاتها جماعةً، نضع نصب أعيننا هذا الهدف، ونسعى له، ولا نضع معه أهدافاً أخرى (كصلاة النوافل، وصوم النوافل) بل علينا الانتظار إلى أن نتمكن من الالتزام بالهدف الأول، ثم ننتقل إلى هدف آخر.
وعلى العبد التائب أيضاً أن يجلس مع نفسه وحيداً يحاسب نفسه على يومه كاملاً، كل صغيرة وكبيرة، كل ذنب اقترفه، وكل طاعة لم يفعلها.
وعلى العبد أيضاً أن يستعين بالصبر والصلاة، قال الله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين".
كيف أعرف أن الله قد قبل توبتي
كثيرٌ من الناس يتساءلون أيا ترى هل قبل ربنا الله _تبارك في علاه_ توبتي؟ وقد يأخذهم التفكير في هذا الأمر إلى حدّ الانتكاس، والعودة إلى مستنقع الذنوب، فكل ذلك من عمل الشيطان الذي يسعى جاهداً لأن يقنّط العبد من رحمة ربه، في حين أن الله _ جلّ في علاه_ قد بيّن لنا الطريق، فقال تعالى: "إنّ الله يحب التوّابين" ولنا وقفة صغيرة على كلمة "التوّابين"، لماذا لم يقل (التائبين) وقال "التوّابين", لأن كلمة التوّابين هي صيغة مبالغة، تدل على كثيري التوبة والاستغفار، إذاً فأولى الطرق وخطوات على طريق التوبة، هي كثرة الاستغفار، أمّا ثاني خطواتنا على هذه الطريق، هو كثرة الدعاء، قال الله (عز وجل) :"ادعوني أستجب لكم"، فيجب علينا أن نجتهد بالدعاء لأن يقبل الله توبتنا، وأن يهدينا لما فيه الخير لنا في الدنيا والآخرة، ثالث الطرق وخطوات على طريق التوبة، هي حسن الظنّ بالله، وعدم القنوت من رحمته.
وبذلك نجد لنا خير معين لنا على أنفسنا للثبات على طريق الاستقامة.
ذنوبي كثيرة جداً
ذنوبي لا تعد ولا تحصى، هل لي من توبة؟إن العبد مخلوق فقير، لا يملك من العمل ما يدخله جنّة الرحمن، فسلعة الله غالية، ولكن رحمة الله قريب من المحسنين، فبرحمته تعالى يدخل أهل الجنّةِ، فالله رحيم (صيغة مبالغة)، والله غفور (صيغة مبالغة)، ولو أتى العبد قرابة الأرض ذنوباً فتاب وأناب، أتاه الله قرابتها مغفرة, بل إن الله تعالى يقرّر العبد يوم الحساب بذنوبه حتى يظنّ العبد أنّه قد هلك، فيقول الله له قد سترتها لك في الدنيا وإنّي أغفرها لك اليوم، فتقلب ذنوبه إلى حسنات، وهل أكثر من هذا المذنب التائب حظاً يومئذٍ؟فوالله ما خاب عبدٌ، رب العباد رجاؤه.
كلّما أتوب أعود لذنوبي
قد يشعر العبد أنه يخادع الله، وذلك عندما يعلن التوبة، ثم يعود للذنب، ثم يتوب، ثم يعود... فيصل إلى مرحلةٍ يصبح فيها خائفاً من أن يقدم على التوبة، وكل ذلك من خدع الشيطان، يا له من ماكر خبيث هذا الشيطان!
ولكن الله سبحانه وتعالى قال لإبليس اللعين عندما توعّد اللعين بأن يقعد للبشر على الصراط المستقيم ويغوينّهم ويبعدنّهم عن الطريق القويم، "فبعزّتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني".
فالله تبارك وتعالى لا يملّ من قبول توبة العبد، فعلينا ألّا نقع في مصائد الشيطان، فربنا جل جلاله عظيم كريم، فهو من يغفر بلا حساب، وهو من يشفّع الأنبياء يوم القيامة، ويشفّع الشهداء، والملائكة، حتى إذا لم يتبقّ من يشفع، يشفع هو _ لا إله إلا هو_ فيخرج أقواماً من النار لم يفعلوا خيراً قط.
هل هناك أوقات محدّدة للتوبة
إن باب التوبة مفتوح للعبد في اى وقتٍ، بل في جميع الأوقات، ولا يغلق هذا الباب العظيم إلا في حالتين:
ففي هاتين الحالتين يقفل باب التوبة، فالحالة الأولى يغلق باب التوبة بالنسبة للعبد نفسه، أمّا في الحالة الثانية، فباب التوبة يغلق بالنسبة لكل العباد، قال الله: "يوم تأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسٌ إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".
فيجب علينا أن نسارع في تجديد توبتنا في كلِّ لحظة، قبل أن يدركنا أحد الوقتين القريبين، فوالله إنهما لقريبين.
ختاماً
في الختام، نودّ الإشارة إلى أن التوبة والاستغفار ليست خاصة بالعباد المذنبين، بل هي لكل المؤمنين، فقد كان من غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر يكثر من الاستغفار، بل إن الاستغفار من مفاتيح قبول الدعاء.والدعاء هو أحد العبادات التي تعين العبد على الثبات على طريق الاستقامة، فعلينا الدعاء في كل وقت، خاصّةً أوقات الاستجابة.
أسأل الله العظيم، ربّ العرش العظيم، أن يغفر لنا ذنوبنا ويجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وبارك وسلم.