أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالدّين العظيم من عند الله عزّ وجلّ لرحمة الناس ولهدايتهم إلى السبيل المُقيم فهوَ دين العدل ونصر المظلومين وإقامة الحدّ على الظالم والجائر، وقد جاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لِيُتمّم مكارم الأخلاق، وكانت بعثته في أهل مكّة بداية الأمر وقد كانوا أهل جاهليّة ولكن بلا شكّ لا يخلو مُجتمعهم من بعض الخير الذي وافقهم عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن ضمن الأمور الإيجابيّة التي كانت في مٌجتمع اهل مكّة وفي قريش خاصّة هو حلف من كِبار أهل مكّة وكان يُدعى بحلف الفضول، وسبب تسميتهِ بحلف الفّضول هو نسبةً إلى كِبار هذا الحلف وهم الفضل بن الحارث والفضل بن وداعة والفضل بن فضالة.
وحلف الفضول كانت بداية تأسيسه في دار رجُلٍ حكيمٍ كريم جوادٍ هو عبدالله بن جدعان، وكان عقد هذا الحلف نُصرةً لرجلٍ من أهل اليمن كان العاص بن وائل قد أخذ منه بضاعةً ومنعهُ حقّهُ فيها، واستغاث هذا الرجل عند البيت الحرام بأهل مكّة وبرجالهم وبنخوتهم لينصروه وليأخذوا لهُ حقّه، فكانَ أن اجتمع في دار عبد الله بن جدعان بنو هاشم وبنو زهرة وبنو تيم بن مرّة وكِبار أهل مكّة ليؤسّسوا نواةً لدارِ ردِّ المظالم، وجمعيةً لردّ الحقوق إلى أصحابها، وكانَ هذا الحلف هو حلف خير وصلاح، وقد شَهِدَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الحِلف كم وردَ في الحديث النبويّ الشريف : (لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم).
وإقرار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لهذا الحلف لأنّه يتفق وتعاليم الإسلام من نُصرة المظلوم وردّ الحقوق إلى أصحابها، والضرب على يدِ الظالم والباغي بيدٍ من حديد، وهذا ممَا تسعى إلى تحقيقه الشريعة الإسلاميّة، فالعدل بين الناس هو من أساس دعوة الإسلام.
وهناك لمسة لطيفة نمرّ عليها وهو أنَّ النبيَ صلّى الله عليه وسلّم كان يُشارك مع قومهِ وأقاربه ولم يكُن على منأى من الناس مُهاجراً لهم، فتراهُ يشهد حلف الفضول ويُشارك فيه، وهوَ بلا شكّ ما شهِدَهُ إلاَ لأنّه دائم التواصل مع قومِهِوأبناء جِلدته، ولأنّهُ عَلِمَ أنَّ في هذا الأمر الذي دُعوا إليه وهو اجتماع حِلف الفضول دعوةٌ إلى الحقّ والخير، وقد كانَ هذا قبل بِعثةِ النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم الذي كانَ دائم الصلاح وحبّ الخير لأنّ بين جنبيه أطهر نفس وأزكى روح صلّى الله عليهِ وسلّم.