خلق الإنسان ضعيفاً، قابلاً لأن تحدث الأخطاء في حياته، وربما تصل هذه الأخطاء إلى حد الجرائم الكبيرة التي يقترفها في حق نفسه أو في حق مجتمعه أو في حق خالقه – عز وجل -، ولكن أصعب هذه الأخطاء هي التي لا يعدها مرتكبها خطأً، بل يعتبرها نوعاً من التجديد، مما يشي بانتكاسة فطرية خطيرة لديه ولدى من يؤيده على ارتكابها، لهذا فقد أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين لهكذا أقوام، فمن يعبدون غير الله، بالقطع والحري هم أناس منتكسون فطرياً، ومن يرون أن الغش في الموازين شئ عادي هم أيضاً منتكسون فطرياً، ومن يستحلون الكذب أو ارتكاب المحرمات هم أيضاً ممن انتكست فطرتهم.
وهناك نوع من الإنتكاس الفطري شهدته البشرية في عهد إبراهيم ولوط – عليهما الصلاة والسلام -، تمثل في انتشار الشذوذ الجنسي عند من يعرفون في الإسلام بقوم لوط، وسموا بقوم لوط نسبة إلى نبي الله لوط الذي أرسله الله إليهم هادياً ومبشراً ونذيرأ، ينذرهم مما أحاق بهم من انتكاسة لم تشهدها البشرية قبلهم، هذه الانتكاسة تمثل أشد أنواع الإنتكاسات بسبب مناقضتها الصريحة والواضحة للفطرة بلا أدنى سبب إلا إن كان هناك ما هى اسباب نفسية تسببت بها الفطرة المختلة، وساعد على انتشارها مباركة المجتمع لهذه العادة المذمومة، ومن هنا نستنتج أن المجتمع قد يجعل من تغير المفاهيم والأفكار والعادات أمراً عادياً مقبولاً، لهذا جاء القرآن محذراً من اتباع العادات السيئة، ولم يجعل من العادات المتوارثة مبرراً ومسوغاً لها. فحتى وإن كان المجتمع يتعارف على عادة معينة فيجب التفكير فيها قبل فعلها، فإن وافقت العقل والمنطق والفطرة والقلب فنعمًّا هي، أما إن خالفتهم فهي من الرذائل التي يجب الابتعاد عنها، فليس كل تعرف ما هو شائع يمكن قبوله على وجه السرعة بل يجب أن يعاد النظر فيه بغض النظر عن مدى تعلق الأفراد المحيطين به.
نعود إلى قوم لوط، فهم بممارستهم هذه الفاحشة العظيمة قد خالفوا الفطرة البشرية مخالفة صارخة، مما جعل العقوبة ملائمة لنوع الذنب، عن طريق قلب مدينتهم بهم رأساً على عقب وإمطار السماء عليهم حجارة من سجيل، مما دمرهم وخسف بهم الأرض، فهي من أشد العقوبات التي تلقاها الأقوام، والجميل في الموضوع أن قصة لوط وقومه لم تعرفها ديانة واحدة فقط، بل تعارفت عليها كافة الديانات السماوية، أي أن الغالبية العظمى اليوم من سكان الكرة الأرضية يعرفون قصة قوم لوط ومعصيتهم، حتى تكون لهم عبرة وآية من اقتراف مثل هذا الخطأ العظيم الذي يغضب الله.