سمِّي قوم لوط بهذا الاسم؛ نسبة إلى نبي الله سيدنا لوط عليه السلام، حيث كان نبي الله لهؤلاء القوم. وهم قوم سدوم وعمورة، عاشوا في المنطقة التي نعرفها نحن الآن بالأغوار؛ في منطقة البحر الميِّت في الأردن. وهم قومٌ أتوا من الخبائث الكثير لقوله تعالى (وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ)، ومن هذه الخبائث التغوط في الطرقات ويظهرون المنكر في الطرقات واللطم على الرقاب، وكانوا يقطعون الطريق، وأتوا بفاحشة لم يسبقهم إليها أحد من البشر كما في قوله تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ). فكانوا يأتون الرجال من دون النساء (أَنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ? بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، وهم أول من أتى الرجال، ولذلك سُمِّي الشذوذ الجنسي بين الرجال بـ"اللواط"؛ نسبة إلى قوم لوط عليه السلام. وهي تسمية خاطئة، حيث أنها تُنسب إلى سيدنا لوط وليس لقومه، فنحن نقول المسيحيين نسبة إلى سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، ولذلك لا يصِح أن نقول لوطي، لأنه نسبة إلى سيدنا لوط عليه السلام، وهذه الأفعال من قومه وليست منه.
والفاحشة التي استوجبت عقابهم؛ هي إتيان الرجال دون النساء بممارسة الجنس، مع أنها لم تكن الشيء الوحيد من الخبائث الذي يأتونه، ولكن لعِظم هذه الفاحشة وكبرها ومخالفتها للفطرة السليمة؛ وإصرارهم عليها. وقد حاول سيدنا لوط عليه السلام أن يُثني قومه عن هذه الأفعال ولكنهم لم يكونوا يسمعون له، بل يصرِّون على أفعالهم ويتمادون فيها. ولذلك استوجبت أفعالهم العقاب من الله العزيز الجبار.
أرسل الله ثلاثة من ملائكته إلى سيدنا لوط عليه السلام، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، فدخلوا عليه بصورة شُبَّان حِسَان؛ ولم يخبروه بحقيقتهم، فحاول سيدنا لوط إخفاء وجودهم عن قومه، ولكن امرأته وشت لقومها عن ضيف زوجها، وذلك بأن أوقدت ناراً على سطح منزلها؛ فأتى أهلها إلي بيت سيدنا لوط يطلبون منه أن يعطيهم ضيوفه. وقد حاول سيدنا لوط عليه السلام أن يمنعهم عن ضيوفهم ولكنهم لم ينتهوا، فحاول أن يلفت أنظارهم إلى الطريق السليم، طريق الفطرة وهو زواج الرجل من امرأة (ياقوم هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين. هن أطهر لكم فاتقوا الله ولاتخزون في ضيفي)، ولكنهم أصروا على عنادهم (قالوا: لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم مانريد)، أي أنت تعلم أننا لا نريد بناتك وإنما نريد ضيوفك. علم سيدنا لوط أن أسلوبه معهم لا ينفع فقال لهم (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد)، أي انكم تعلمون أن ليس لي أهلاً ولا عشيرة قوية تمنعني منكم، فأوى إلى الركن الشديد وهو الله سبحانه وتعالى، فما كان من قومه إلا أن سخروا منه واستهزؤوا بكلامه (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين).
دعا لوط الله كثيراً أن يخلصه من قومه ومما يأتون من الفاحشة، ودعى أن ينصره الله عليهم (قال: رب انصرني على القوم المفسدين)، وهنا جاء رد الله سبحانه وتعالى على لسان ملائكته الذين كانوا في ضيافة لوط عليه السلام (يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فأسر بأهلك بقطع من الليل ولايلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)، أي أخرج أنت وأهلك تحت ستار الليل ولا تنظروا خلفكم، إلا امرأتك ستنظر لأنه سيصيبها ما سيصيب قومها. وبعدها بدأت نذائر العذاب تحلُّ على قوم لوط، فبينما هم يطلبون ضيوف لوط إذ أصابهم العمى (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر)، فخرج سيدنا لوط وأهله ولم يرهم القوم، ولم ينظروا خلفهم كما أمرهم الله على لسان المَلَك. وبعد أن خرجوا منها، أمر الله جبريل عليه السلام، فرفع القرية على طرف جناحه إلى عنان السماء؛ ثم قلبها ورماها وجعل عاليها سافلها ولحقتها حجارة (حجارة من سجّيل منضود. مسومة عند ربك). وعندما سمعت زوجة لوط صياح قومها فالتفتت إليهم فنزل عليها حجر وبقيت في مكانها، ونجَّى الله نبيه لوط وأهله من المؤمنين.
هذه كانت عقوبة قوم لوط، ومنها قاس العلماء عقوبة من يمارس مثل هذه الفِعلة، وهو أن يرمى من مكانٍ مرتفع ويلحقه بالحجارة حتى يكون عبرة لمن يعتبر، ولكل من يأتي أمراً شائناً يُخالف الفِطرة السليمة وتعاليم كل الأديان.