كان خبيب بن عدي الصّحابي الجليل من الأنصار ، رجل عالم بالدّين انتدبه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لتعليم المشركين الإسلام و القرآن مع عددٍ آخر من الصّحابة ، فغدر بهم في طريقهم المشركين فقتلوا عدداً منهم و أسروا عدداً آخر ، فأُخذ الصّحابي الجليل أسيراً إلى مكّة و ابتاعه هناك قومٌ كان بينهم و بينه ثأرٌ قديمٌ ، فقد كان خبيبٌ رجلاً شجاعاً قدّم أعظم النّماذج في الفداء في غزوة بدر و قتل عدداً من المشركين وكان ممّن قتله رجل من بني الحارث فوجدوا فرصتهم حين أسر وأُتي به إلى مكّه للأنتقام لقريبهم ، أُخذ الصّحابي الجليل خبيب و في نيّة القوم قتله و لمّا أرادوا قتله وجدوا أنّهم في الأشهر الحرم و قد كان المشركون يمتنعون عن القتال و القتل فيه فحبسوه في بيتٍ يسكنه رجل مع أهله حتّى تنقضي الأشهر الحرم وعند انقضائها أُتي به رضي الله عنه ونصبت له خشبةٌ على شكل الصّليب وقدّم فطلب رضي الله عنه الصّلاة فكان أول من سنّ الصّلاة حين القتل فأذنوا له وكره الإطالة حتّى لا يظنّوا أنّه يطيلها جزعاً ، و سألوه يا خبيب أتحبّ أن تكون في بيتك آمناً مطمئناً و يكون محمدٌ مكانك فكان جوابه بلسان المحبّ العاشق لنبيّه ، ما أحبّ أن أكون بين أهلي ولو شيك رسول الله صلّى الله عليه و سلّم شيكةً واحدةً ، فقدّم رضي الله عنّه و وضع على الصّليب في مشهدٍ مهيب رافعاً رأسه مطمئن الجنان مرتاح الأركان فأنشد مترنماً ،
و لست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أشلاء شلوٍ ممـــزع ،
فاستشهد رضي الله عنه و كان قتله صبراً .
فقل الصّبر وقد أوردنا قصةً عمليةً لأحد الصّحابة الذين قتلوا صبراً هو أن يُمسك الرّجل و يحبس حتى يقتل صبراً فلا يقتل في معركةٍ أو يقتل غيلةً ، فقتل الصّبر هو وصفٌ لطريقة القتل و ليس للقتل نفسه فليست محصورةٌ بالمسلمين بل هي لفظٌ عامٌ لجميع النّاس بل جميع الخلق حتى البهائم ، و قد نهى الرّسول صلّى الله عليه و سلّم أن يقتل الرّجل صبراً و هذا من كمال الدّين و رحمة التّشريع .