اهتم التاريخ بذكر الأشخاص الذين تركوا طابعاً في حياة أفراد آخرين ، وجعلهم الأبرز على ساحة الذكر ، فهؤلاء استطاعوا أن يكونوا على قدر كبير من الأهمية وفائدة بالنسبة لمن حولهم ، سواء بالسلب أو الإيجاب ، كما استطاعوا أن يكونوا بالنسبة للكثيرين حالة من حالات القدوة والإعتزاز بهم ، وعلى غرار كل ما سبق فإن من بعض الشخصيات التي ذكرها التاريخ تلك التي أرت العالم وحشية لا مثيل لها ، كهتلر وهولاكو ، وهناك بعض الشخصيات التي ارتسم على ملامح حياتها الرحمة والتفاؤل والتنبؤ بحياة كريمة كالنبي (محمد) صلى الله عليه وسلم ، ومنهم الكثيرين ، فلا عجب حين يذكر التاريخ من كل صنف شخص ، ولا عجب أيضاً حينما نجد أن هناك من يعتز بالشخصية الدموية التي دمرت وهلكت وقتلت ، وسفكت ، فهناك الكثير من التناقضات ، ومع هذا كله تبقى هذه الشخصيات من أهم الأمور البارزة ، التي تصدرت إحدى الفترات ، وكانت السباقة للتفوق والإزدهار .
وكان لا بد حينما نذكر بعض الشخصيات أن نكون على الحياد ، فلا نؤيد ولا نعارض ، ولا نشتم ولا حتى نشجع أو نذكر محاسن ، فكل ما علينا فعله هو التذكير بهم ، كأشخاص عاصروا حقبة تاريخية معينة ، وسطروا بها اجمل وافضل أو أبشع السطور التي ما زالت راسخة في كتب التاريخ حتى يومنا هذا ، حديثنا هذا سيدور عن شخصية لطالما سمعنا عنها ، وعن قوتها وبطشها ، شخصية عاشرت ما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعملت على بطش الناس ، وتعاملت معهم بالقوة والصلابة ، وهو الحجاج بن يوسف الثقفي .
تصدرت الأخبار ، والعناوين التي تتحدث عن قوة الشخصية التي يتمتع بها الحجاج ، وعن مدى صلابته ، وتعنته في الرأي ، فكان خليفة وأحد الولاة لدولة العراق حالياً ، وكان يعامل أهلها بكل معاني الصلابة ، والشدة ، حتى أن الناس كانت تخشاه ، وتخاف أن ترفع إليه التظلمات ، خوفاً من بطشه أو من شدة تعامله معهم ، تمتع منذ صغره بالالتزام بالدين ، إلا أنه حينما كبر اتخذ من السلاح صديقاً ، فأصبح يقتل ويفتك بكل من يعارضه أو يقف في وجهه ، وله كثيراً من المواقف التي لم تتركها كتب التاريخ إلا وذكرتها، فكان الحجاج من الشخصيات الذكية جداً ، وكان يستطيع أن يحدد وجهته وطريقته في التعامل مع الآخرين ، ويقال أنه كان الأعنف في تاريخ العراق عن غيره من الشخصيات ، ورغم أنه كان مسلماً إلا أنه لم يكن يتبع الدين بالطريقة الصحيحة ، إنما كان يستولي ، ويملي شروطه على الناس بدون أي وجه حق .
وختاماً، فمن أفعاله التي يحمد عليها أن قام بالمساعدة في تنقيط المصحف ليسهل على المسلمين قراءته وتدبر معانيه ، ولشدته كان يشارك في الفتوحات الإسلامية ، ويهجم بشدة وبكل شراسة .