اختار الله تعالى نبيّه محمّد عليه الصّلاة والسّلام من بين البشر ليكون للعالمين نذيرًا، وقد اصطفاه الله من بني هاشم من قريش، وقد كانت عشيرته ذات مكانةٍ في قريش؛ حيث كان جدّ عبد المطلّب مسؤولًا عن الرّفادة والسّقاية للحجّاج، وقد عرف النّبي عليه الصّلاة والسّلام قبل البعثة بالصّدق والأمانة، حتّى أنّ قريشًا كانت ترتضي حكمه وتسمع رأيه، ومنها تحكيمه في مسألة رفع الحجر الأسود ووضعه في الكعبة؛ حيث أشار النّبي الكريم على قومه أن يحضروا رداءً ويمسك رأس كلّ قبيلةٍ بطرف منه، وهكذا حلّ الخلاف بينهم بحكمة النّبي عليه الصّلاة والسّلام.
وحينما جاء الوحي إلى النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وهو يتعبّد في غار حراء، بدأت مهمّة النّبي الكريم لنشر رسالة التّوحيد، وقد أمره الله تعالى في بداية الأمر بأن ينذر عشيرته الأقربين، فراح النّبي يدعو النّاس إلى ترك عبادة الأصنام وما كان عليه آباءهم من الشّرك وعبادة الواحد الديّان، وقد وجد الكثير من سادة قريش ورجالاتها في هذا الدّين الجديد تحجيمًا لنفوذهم، فرفض الكثير منهم هذا الدّين بزعم محاولة بني هاشم السّيطرة على قريش، من بعد أن جمعت لها السّقاية والرّفادة، بينما رأى آخرون أنّ هذا الدّين قد خالف ما كان عليه آباؤهم من الضّلال والكفر.
وقد تعرّض المسلمون ممّن آمنوا بدعوة النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى كثيرٍ من الأذى من كفّار قريش، ولم يسلم النّبي الكريم من أذاهم، فلقد كان بعضهم يضع الشّوك والفضلات أمام بيت النّبي حتّى تجرح قدمه الشّريفة كما كانت تفعل ذلك أمّ جميل زوجة أبو لهب، وحينما كان النّبي عليه الصّلاة والسّلام يصلّي مرّةً بجانب الكعبة أقدم أحد كفّار قريش على رمي سلا جزور، وهي فضلات الشّاة على ظهره، فتأتي ابنته فاطمة رضي الله عنها لتزيح الأذى عنه، وقد ثبت النّبي الكريم أمام كلّ محاولات الابتزاز والوعيد من كفّار قريش، وصدّ كلّ محاولاتهم لإغرائه وثنيه عن دعوته متحدّيًا ذلك بقوله لعمّه أبو طالب (والله ياعمّ لو وضعوا الشّمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه)، كما تحمل الصّحابة الكرام كثيرًا من الأذى مثل: بلال بن رباح الّذي كان أميّة بن خلف أحد كفّار قريش يعذّبه في الرّمضاء، فما يزيد على أن يقول أحد أحد.
وقد استمع عددٌ من كفّار قريش إلى القرآن ومدحه، منهم: الوليد بن المغيرة، ولكن العصبيّة والجاهليّة منعته من الإذعان والإيمان بهذا الدّين. وقد رأى النّبي الكريم في غزوة بدر مصرع كثيرٍ من كبار كفّار قريش منهم عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل لعنه الله.