السيرة النبوية
تعدّ السيرة النبويّة واحدةً من أعظم سير التاريخ على الإطلاق؛ إذ تدور أحداثها حول حياة المصطفى - صلّى الله عليه وسلم-، وما مرَّ به من أحداث ومواقف، وقد اهتمَّ المسلمون بالسيرة النبوية أيَّما اهتمام؛ حيث استطاعوا تدوينها، والاعتناء بها، وتنقيحها، وحفظها للأجيال اللاحقة، ذلك لأنّ هذه السيرة تعتبر الأهم بالنسبة لكافة المسلمين.
لا تقتصر السيرة النبوية الشريفة على سرد حياة الرسول الأعظم، بل تسرد قصص أجزاء من حياة أشخاص كانوا حول رسولنا الكريم، منهم من سانده، ومنهم من عاداه، فكلّهم معاً يشكّلون لوحةً فسيفسائيّةً رائعةً تفيض بالدروس، والعبر، والمشاعر الجياشة.
إنّ المسلمين اليوم هم بأمسّ الحاجة إلى قراءة السيرة النبوية واستيعاب أدقّ تفاصيلها، وفهمها ضمن معطيات العصر الحالي من أجل أن يكونوا قادرين على النهوض بأنفسهم من القاع والارتقاء إلى القمة، وفيما يلي إبراز فوائد دراسة السيرة النبوية بالنسبة للمسلمين، وحتى لغيرهم.
فوائد دراسة السيرة النبوية
تقدّم السيرة النبويّة الحلول المصطفويّة الجاهزة لبعض المواقف، العابرة للأزمان والأماكن؛ فالطريقة المثلى للتصدّي للباطل، وطريقة نشر الفكرة بين أشد المعادين، هما من أبرز ما يمكن للإنسان تعلّمه والاستفادة منه عند دراسة السيرة النبويّة والاستفاضة منها، فهذان الأمران يحتاج إليهما الإنسان طوال فترات حياته؛ إذ إنّ صراع الحق والباطل مستمر، ونشر الأفكار المخالف بين السائد هو أيضاً من الأمور التي يجب على الإنسان أن يعي طريقة القيام بها بشكلٍ جيّد حتى يستطيع تحقيق غاياته وأهدافه.
إنّ السيرة النبويّة الشريفة هي تبيان عملي وواقعي لدور الأخلاق في المجتمعات؛ فالأخلاق هي عامل رئيسي وأساسي لحياة كريمة وسعيدة لمختلف أصناف البشر، خاصّةً مع الأشخاص الذين لا يحملون الفكرة ذاتها، ومن هنا يمكن القول إنّ السيرة النبويّة تُعلّم الناس القدرة على التعامل مع الآخر المخالف، وتبيّن أنّه لا بدّ للإنسان أن يُعامل على أساس الأخوة في الإنسانية ما لم يعتد أو يظلم، وما لم يخرج عن القواعد العريضة التي تضمن أمن المجتمع وسلامته.
تعطي السيرة النبويّة المسلم مثالاً جيّداً على تطبيق الأخذ بالما هى اسباب مع التوكّل على الله؛ ففي المعارك كلّها كان الرسول الأعظم والصحابة الكرام يخطّطون احسن وأفضل تخطيط قبل أن يخوضوا غمارها، مع بقاء قلوبهم متّصلةً بالله تعالى، ومع الاستمرار بالدعاء المستفيض من أجل أن يمنّ الله تعالى عليهم بالنصر من عنده.
تُقدّم السيرة النبويّة بعض النماذج التي يمكن للإنسان أن يتّخذ منها قدوةً له في حياته؛ فالمرأة بإمكانها أن تتّخذ من زوجات الرسول والصحابيّات الكريمات –رضوان الله عليهنَّ- قدوةً لها، وعلى رأسهنَّ السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد التي كانت امرأةً بمليون رجل، والتي كانت المموّل الرئيسي للمشروع الإسلامي الناشئ، والرجل أيضاً بإمكانه أن يتّخذ من الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم- قدوةً له؛ فالصحابة والصحابيّات هم بشر عاديون ولكنّهم يمتلكون همّةً عالية، ومن هنا فإنّ شخصياتهم تتعدد وتختلف بما يوفّر نماذج لمختلف أنواع الشخصيات التي قد تأتي على مر الأزمان والعصور.