العرب في الجاهلية
عاشت القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية، يحكمها عنصر القوة في الجاهلية فالقبيلة القويّة تغزو القبائل الأقل قوةً، وتنهب ممتلكاتها وتشرّد أفرادها، كما أنّ القبيلة القوية تستحوذ على مساحات واسعة من المراعي لمواشيها كما تتحكم بمصادر المياه.
على الرغم من انتشار عادة الثأر بين هذه القبائل إلاّ أنه كان بها من العادات الحميدة الشيء الكثير، وأهمها حماية الضيف أو من يستجير بهم، ويذكر المؤرّخون أنّ أطول حرب قامت بين القبائل العربية كانت حرب البسوس، يقول بعض المؤرخين إنّ حرب البسوس قد حدثت بعام 494م واستمرت لمدة أربعين عاماً.
حرب البسوس أطول حرب في تاريخ العرب
وقعت هذه الحرب بين قبيلة بكر وقبيلة تغلب، وكلاهما أولاد عمومة يعودون إلى أصل واحد وهو أبناء وائل، أبطال هذه الحرب ثلاثة أشخاص وائل بن ربيعة ولقبه " كليب" وجسّاس بن مرّه والزير سالم أخو كليب.
قاد كليب جيش القبيلتين تغلب وبكر وانتصر في حروبه في اليمن وغيرها، ولذلك اكتسب سمعةً قويةً بين قبائل العرب، فتوّجته القبائل العربية ملكاً عليها بشروط الطاعة التامة لأوامره، إلّا أن الرجل تجبّر وظلم أبناء قومه، وأصابه الغرور فكان لا يمرّ أحد بين يديه احتراماً له ولا تورد الإبل على مورد إلا بإذنه، ولا تُوقد نار إلا بعلمه، ولا يسمح بأن يُجير شخص غيره.
تزوّج كليب من امرأة اسمها الجليلة من بني مرّة، وكان لها أخ صغير اسمه جسّاس، اتّصف جسّاس بالفروسية والكرم والشهامة، وكانت الجليلة تفتخر بأخيها جسّاس، وكان هذا يغيظ زوجها كليب ولا يرضيه.
وكانت لجساس خالة اسمها البسوس متزوجةً خارج القبيلة، وقد حلّت ضيفةً على بيت زوج أختها من بني مرة، ففرح بها جسّاس وأكرمها، دون علم كليب، وهذه أوّل مخالفة يقع بها جساس، وكانت برفقة خالته ناقة فأطلقتها مع نياق القوم.
فرأى كليب الناقة وسأل عن صاحبها فعلم بأنها لخالة جسّاس، فغضب غضباً شديداً، وأمر بإعادة الناقة إلى المراعي غير المخصصة لإبله، فلم تكترث البسوس لهذه الأوامر، وكأنّها كانت تقصد إحداث الفتنة بين القبيلتين، ففي اليوم الثاني رأى كليب الناقة مرةً أخرى، فاتّجه نحوها فداست الناقة على عش عصفورة كانت تعتني به ابنته، فرفع كليب سهمه وضرب الناقة فوقعت ميتةً.
بداية الحرب
علمت البسوس بمقتل ناقتها من قبل كليب فأخذت تقلل من قيمة زوج أختها وأبنائه وعدم قدرتهم على حماية ضيفهم، ممّا أثار حفيظة جسّاس فلحق بكليب يسأله عن سبب قتله ناقة ضيفة أبيه، إلا أنّ كليباً لم يلتفت إليه بل واستهزأ به، ممّا أجبر جسّاس على رمي كليب بسهم أصابه في مقتل، فوقع على الأرض ميتاً، فتركه جساس وهرب، وقبل موت كليب زحف الى صخرة مجاورة له وكتب أبياتاً من الشعر يبيّن بها أنّ جساساً قتله ويطلب من أخيه الزير سالم الأخذ بثأره من قاتله، فعلمت قبيلة كليب وبدأت تعدّ العُدة لإعلان الحرب على قبيلة جساس. لقد كان مقتل ناقة البسوس السبب المباشر لهذه الحرب، فقد اتّصف كليب بالكبرياء، والتسلّط بحيث أصبح أغلب شباب القبيلة يكرهونه.
مرحلة الزير سالم
كان الزير سالم يعيش حياته في الشرب واللهو، والملذّت ولا يأبه بأمور القبيلة، إلا أنّه كان يحب أخاه كليباً كثيراً، فعندما علم بمقتل أخيه بدأت مرحلة جديدة من حياته، فترك الشرب واللهو وجمع شباب قبيلته تحت إمرته وبدأت المعركة، ومن خلال مجرى الأحدات يستنتج القارئ أنّ الزير سالم كانت تنقصه الحكمة والعقل السديد، فقد تدخّل زعماء القبائل العربيّة لإيقاف الحرب، إلا أنّ الزير سالم رفض جميع هذه الواسطات وأصرّ على مواصلة الحرب، وقد تسبّبت هذه الحرب بمقتل الكثير من شباب القبيلتين، وبقيت نار هذه الحرب مستمرّة حتى مقتل الزير سالم، وقد قيل الكثير من الشعر في هذه الحرب.