في رحلة الحياة يقف الإنسان على مفترق طرق ووسائل ويجب عليه الاختيار وعند كل منعطف تبرز تساؤلات جدلية كل مرة عن ماهية الإنسان وتعرف على ما هى رسالته في هذا العالم الأرضي ، خطورة السؤال تنبع من حتمية الإجابة الإمام أبو اسحاق الحويني لم يدخر جهداً في محاولة الوصول إلى مغزي الوجود ، وهو من العلماء الأجلاء الذين ينطبق عليهم قول الإمام علي - كرم الله وجهه - " الناس موتى وأهل العلم أحياء " .
ولد الإمام عام 1956 م بقرية حوين في إحدى محافظات مصر ، في أسرة ريفية بسيطة ، متدينة بالفطرة وتكسب من كد يمينها تعلم عن أبويه حسن الخلق فصلح حاله واستقامت سريرته ، وقد درس الشيخ تعليميه الأساسي في مدارس قريته وحين أتم الثانوية العامة أًصابته الحيرة ، فلأي قسم سيتجه ؟ وقد تردد بين الكليات حتى استقر به المطاف في قسم اللغة الاسبانية وتخرج منها بامتياز ، وفي ذلك الحين كان يطمح ليصبح عضواً في مجمع اللغة الإسبانية وقد سافر إلى إسبانيا لاستكمال دراسته ولكنه سرعان ما عاد فأحوال تلك البلاد لم ترق له .
وبعد عودته برز السؤال المصيري ثانيةً وتساؤل الإمام عن دوره في خدمة أمته ، وعلى رصيف أحد الشوارع وجد الإجابة مشرعة بين دفتي كتاب يحمل عنوان " صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها " للشيخ الألباني ، وبعد تصفحه أصابه العجب من جمال أسلوب الكاتب وبراعته في الشرح والتبسيط ، وقد هاله الأخطاء التي يرتكبها المسلمون أثناء الصلاة والتي تخالف السنة الصحيحة ، وكانت هذه البداية مع الإمام الحويني التي دفعته لدراسة علم الحديث . وتوالت الأيام وبدأ الإمام في التعلم والاجتهاد ، وكان لا يسمع حديثاً إلا و يتشكك في ثبوته ، ومن المواقف الفاصلة في حياة الإمام أنه ذات مرة حضر خطبة للشيخ كشك - رحمه الله – فشكك الحويني بأحد الأحاديث واعترض على شيخه فقال كشك : " يا بني! تعلم قبل أن تعترض " ، وكانت هذه الكلمات وعبارات محفزاً ودافعاً للإمام الحويني لينهل من العلم ويتسلح بالمعرفة .
طريق العلم ليس ممهد بالورود فمن أراد التمر عليه أن يلعق العلقم ، وقد عانى الإمام الحويني في تحصيله للحديث والعلوم ، وكان يعمل في النهار ليعيل نفسه ، وفي الليل يتفرغ للدراسة والحفظ والفهم ، ولفقره لم يتمكن من شراء ما يبتغيه من الكتب فكان يذهب لمكتبة المتنبي ليتحسس الكتب بيديه أو يرفعها لأنفه ليشمها ويذهب بسرعة حتى لا يظن صاحب المكتبة أنه شخص مجنون .
وتوالت السنين وتفوق التلميذ على المعلم ، وقد أخذ الحويني العلم عن كبار العلماء الأجلاء ، وله اليوم ما يربو على المئة مشروع ما بين تحقيقات واستدراكات وتخريجات ونقد وتأليف خالص ومنها "تفسير القرآن العظيم " للإمام ابن كثير و " النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة " من تأليفه ، وللشيخ مجموعة من البرامج التلفزيونية الدينية والمحاضرات الدعوية ، وهذا الطريق الحافل بالعلم والدين اختاره الإمام تلبيةً لقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم – " نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه ربَّ حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " .