لفترةٍ طويلةٍ كان شكل الأرض لغزاً حيّر الكثيرين من العلماء و الباحثين ، فحاولوا إثبات ذلك بشتّى الطرق ووسائل و لكن نقص الأدوات و المعرفة سبّب نقصاً في المعلومة و طريقة الحصول عليها ، و قد تكلّم علماء اليونان القدماء مثل أرسطو عن شكل الأرض و قالوا كرويّتها و قد قام أحدهم بعمل قياسٍ تقريبيّ لمحيط الأرض ليستنتج منها أنها كرويّة ، و قد تكرّست فكرة كرويّة الأرض لدى الأوروبيون و خاصةً بعد الرّحلات الشّهيرة التي قام بها كولومبوس و ماجلان ، بالإضافة إلى ما قاموا بنقله عن علماء المسلمين في هذا الشّأن ، ثمّ جاء العالم إسحق نيوتن ليثبت أنّ الأرض شبه كرويّة عندما استخدم آلة البندول و استنتج منها أنّ قطر الأرض عند القطبين يختلف عن قطرها عند خط الاستواء ، ثمّ جاءت الثّورة العلميّة و الأقمار الصّناعية لتثبت لتحسم الجدل الذي ثار حول هذه المسألة و لـتأكّد أنّ الأرض شبه كرويّة مفلطحةٌ عند القطبين ، يدلّ عليها تعاقب الليل و النّهار .
و قد كان لعلماء المسلمين دورٌ رائدٌ في مناقشة مسألة كرويّة الأرض ، حيث تكلّم المقدسيّ عنها في كتابه أحسن التّقاسيم في معرفة الأقاليم ، حيث قال أنّ الأرض كالكرة في جوف الفلك ، و قد شاركه هذه الفكرة علماء آخرون ، و قد وردت آياتٌ كثيرةٌ تدلّ على كرويّة الأرض نذكر منها قوله تعالى ( لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر و لا الليل سابقٌ النّهار و كلّ في فلكٍ يسبحون ) و قوله تعالى ( يكوّر الليل على النّهار و يكوّر النّهار على الليل ) ، فحقيقة تعاقب الليل و النّهار لا تتمّ إلا إذا كانت الأرض كرويّة فلو كانت غير ذلك لما تحقّقت هذه الظاهرة ، و كذلك في آيةٍ أخرى حيث أقسم الله بقوله ( فلا أقسم بربّ المشارق و المغارب ) ، و يستنتج من هذا أنّ كلّ مكانٍ في الأرض له مغرب و مشرق مختلفٌ عن الآخر و لا يتساوى مشرقان أو مغربان أبداً ، و التّكوير في اللغة هو جعل الشّيء بعضه على بعضٍ و هذا يطابق لفظ القرآن الكريم و يؤكّد على حقيقة كرويّة الأرض ، و إنّ القرآن يؤكّد كثيراً من الحقائق العلميّة التي اكتشفها العلماء بعد مئات السّنين .