الهدية في اللغة هي إكرام شخص ما لمحبة أو صداقة أو حاجة، وإصطلاحاً هي دفع عينٍ إلى شخصٍ معيّن من غير طلبٍ ولا شرط. والهدية من السُّنن النبوية الشريفة التي غفِل عنها الكثيرون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تهادوا تحابوا)، فالهدية أمر محبَّب، وهي تنزع الغل من الدور، وتعمل على دوام المحبة بين المتهادين. وقد جاء ذِكرُ الهدية في القرآن الكريم، عندما خافت ملكة سبأ على نفسها ومملكتها من نبي الله سليمان عليه السلام؛ فأرسلت له هدية لستميل قلبه لتدفع الضر بها، قال تعالى (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ).
أما الرشوة فهي في اللغة أطلقها العرب على الدلو إذا جُعل له رشاء أي حبلٌ يوصل به إلى الماء، أما إصطلاحاً فهي ما يُدفع لإحقاق باطل أو إبطال حق، وما يدفع للحاكم لأخذ حكم بغير حق أو إيقاف حكم بحق. أي أنها طريق لتحويل الحق عن طريقه الصحيح، كأن يدفع أحد المقاولين مالاً ليرسو عليه العطاء؛ مع العلم أنه ليس صاحب أقل سعرٍ في المناقصة، أو يدفع لحاكم مالاً ليحكم له بأمرٍ باطل أو بتعرف ما هو ليس من حقه. والرشوة محرَّمة شرعاً لما ورد من حديث ثوبان قال (لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش)، الراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي هو قابضها، والرائش هو الوسيط بين المرتشي والراشي، فجميعهم في الحُكم سواء. ولا تُدفع الرشوة إلا في حال وجود مصلحة لقَلبِ الحقائق، ولا تكون لصديقٍ أو قريب، بل تكون لصاحب سلطة من صاحب مصلحة.
في زمننا الحاضر؛ ومع انتشار الفساد في كل العالم؛ أصبحت الرشوة من الأمور المُسلَّم بها، لم تعد حراماً ولم ترتقِ لمرتبة العيب حتى، أصبحت حاجة وضماناً للكثيرين من أجل استمرار حياتهم، ومع تزايد الغلاء؛ أصبحت الرشوة من مصادر الدخل التي يعتمد عليها الكثيرين. كل المبررات لا تجعل من الحرام حلالاً مهما كانت، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن، وقد حاول المثيرون تحريف الحق وقاموا بتسمية الرشوة بالهدية، حتى يخرجوا من باب التحريم، ولكنهم نسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيَّات وإنما ولكل امرءٍ ما نوى)، فالهدية التي يُراد بها مصلحة لأي سببٍ كان هي رشوة بكل المعاني والمفاهيم، فلو لم تكن لهذا الشخص لما نال الراشي مبتغاه. وفي الحديث استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم يدعى بن الأتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً، أي أن الهدية لم تكن لِتُهدى له لولا أنه في هذه المهمة التي أرسله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد هذه الحادثة قام رسول الله عليه الصلاة والسلام فخطب في أصحابه قائلاً بعد أن حمَدَ الله وأثنى عليه ( أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني ).