عصير الفاكهة
عصير الفاكهة هو محلولٌ مائيٌّ موجود بصورة طبيعيَّة في أنواع مختلفة من ثمار الفاكهة، يُصنَع بضغط أو سحق الثمار ميكانيكياً لاستخلاص أكبر كميَّة ممكنةٍ من الماء الموجود داخلها، ولأنَّ عمليَّة الضغط هذه لا تُنتج حرارةً تُذكَر، فهي تحافظ على مُعظم المحتوى الغذائي الطبيعي للثَّمرة.[?] في سنة 2012، قدَّرت مُنظَّمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) الإنتاج العالمي من عصائر الفواكه الحمضيَّة (التي تشمل البرتقال والليمون) بـ 12,840,318 طن.[?]
تاريخ عصير الفاكهة
بدأ عصير الفواكه يكتسب شعبيَّةً تجارية في الولايات المُتحدة مع مطلع القرن العشرين، وذلك عندما تطوَّرت تقنيات البسترة (طريقة لتخسين السوائل وقتل أنواعٍ مُعيَّنة من الجراثيم داخلها)، والتي سمحت لأول مرَّة بإنتاج وتخزين العصير في مصانع بكميَّات تجارية دون أن يَفسد، ففي الماضي، كانت الطريقة الوحيدة لحفظ العصير هي تخميره، ممَّا يؤدي إلى تحوُّله إلى كحول.[?] أثناء الحرب العالمية الثانية، طلبت حكومة الولايات المتحدة من فرق بحث علميٍّ المُساعدة على تطوير منتجٍ قادر على تزويد الجنود الذي يُقاتلون فيما وراء البحار بفيتامين C بطريقةٍ مُنتظمة.
عندما بدأت صناعة العصير بكميَّات تجارية كان يفتقر إلى نكهة الفاكهة تقريباً، وذلك لأنَّه كان يُجمَّد ويُركَّز، ثم يُعَاد تخفيفه بالماء فيما بعد، وكانت هذه العلميَّة تتسبَّب بضياع مُعظم المذاق الطبيعيّ، فعندما يخسر العصير ماءه، كانت تذهب نكهته معه. عند ذلك، بدأت شركات الإنتاج بإضافة عصير طازجٍ إلى المُركَّزات لإعادة المذاق الأصلي إليها، وعندما توصَّل الباحثون إلى ذلك كانت الحرب العالمية قد انتهت، إلا أنَّ صناعة عصير البرتقال انتشرت على نطاقٍ واسعٍ جداً في الولايات المتحدة، وأثناء ستينيّات القرن العشرين، اكتشفت كيفيَّة صناعة المنكِّهات الصناعية، ممَّا أدى إلى تطور الصناعة بسُرعة شديدة، وانتشار منتجات العصير المُخفَّفة بالماء والسُكَّر، حيث أصبح من السَّهل على شركات الإنتاج تخزين العصير في مستوعبات حديديَّة كبيرة لمُدَّة سنة كاملة دون القلق من مُشكلة فُقدان مذاقه الطبيعيّ.[?]
رُغم ذلك، لم يبدأ تنظيم أو تقييد تجارة العصير - قانونياً - حتى وقت متأخر، إذ لم تكن شركات إنتاج العصير مُجبرةً على الإفصاح عن النسبة الحقيقيَّة لعصير الفاكهة في منتجاتها قبل السبعينيات، ومع ظهور المنكهات الكيميائيَّة الصناعيَّة، أصبحت مصانع العصير قادرةً على خلط منتجاتها مع نسبٍ كبيرة من الماء، ثم إضافة السكر والمنكهات لتكتسب طعماً لا يختلف كثيراً عن مذاق العصير العاديّ، ممَّا أدى إلى انتشار الغش في الصناعة. في سنة 1977، صدر قانون في الولايات المتحدة يُجبر شركات إنتاج عصير البرتقال على توثيق نسبة الفاكهة في منتجاتها، وذلك لكونه العصير الأكثر انتشاراً في البلاد، إلا أنَّ هذا القانون لم يتمدَّد ليشمل باقي أنواع الفواكه حتى عام 1990.[?]
فائدة عصير الفاكهة
تُسَاعد عصائر الفاكهة في تزويد الجسم بعددٍ من المواد الغذائية المهمّة، مثل مضادات الأكسدة التي تساعد على مقاومة السرطان، وكذلك العديد من الفيتامينات الأساسيَّة للصحَّة، مثل فيتامين C الذي يضبط عمل الجهاز العصبي وفيتامين K الضروريِّ لصحَّة العظام، كما يُمكنه تزويدك بكميَّة من المعادن الموجودة في الفاكهة.
قد يُساعد عصير الفاكهة - بدرجةٍ ما - على الحماية من مرض السَّرطان، إلا أنَّ البحث العلميّ بهذا الخصوص لا يزال محدوداً. يُزعَم أحياناً أنَّ عصير الفاكهة يُنظّف الجسم، إلا أنَّ ذلك غير دقيق، حيث إنَّ الكبد والكلى قادران على تنظيف الجسم من السُّموم بشكل طبيعيّ، ومع أنَّ البعض يُروِّج لحمية عصير الفاكهة بكونها وسيلة جيِّدة لإنقاص الوزن، إلا أنَّها قد تنطوي على نتائج سيِّئة على المدى البعيد، إذ إنَّ فائدتها الأساسية تنحصر في تخفيض نسبة السوائل في الجسم، وعلى المدى الطويل قد تتسبَّب باستهلاك الجسم للأنسجة العضليَّة بسبب عدم حصوله على غذاءٍ كاف.[?]
مع أنَّ كميَّة من الفيتامينات المُغذِّية يُمكن أن تكون مفقودةً في العصائر التجارية التي تشتريها من السوق، إلا أنَّك لن تفقدها عندما تعصر الفاكهة في منزلك. من جهةٍ أخرى، لا يَحمل عصير الفاكهة سوى كميَّة ضئيلة جداً من الألياف الغذائية الموجودة في ثمار الفواكه الأصلية، وهي إحدى الخسائر الأساسيَّة لعصر الفاكهة.[?]
بصُورةٍ عامَّة عندما شراء العصائر، من المُحبَّذ اختيار منتجاتٍ معصورةً حديثاً أو معصورة مباشرة من ثمار الفاكهة (لو كان ذلك متوفِّراً)، وتجنَُبُ أي منتجاتٍ فيها سكريَّات مُضافة بقدر الإمكان. عند الرغبة بشُرب العصير، فإنَّ من احسن وأفضل الخيارات المُتاحة عصير البطيخ، الذي يحتوي على نسبة كبيرة من مضادَّات الأكسدة التي تُقلِّل من خطر الإصابة بأمراض القلب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو التعرُّض للسرطان.
يحتوي عصير الرمَّان أيضاً على نسبة معتبرةٍ من مضادات الأكسدة، وذلك عدا عن أنه غنيٌّ بفيتامين E وفيتامين C المُفيدين في تقليص تجاعيد الجلد وحمايته من أشعَّة الشمس، وأما عصير البرتقال فهو مفيدٌ جداً لاحتوائه على نسبة عملاقةٍ من فيتامين C الذي يُقوِّي الجهاز المناعي ويُخفِّض من ضغط الدم.[?]
مشكلات عصير الفاكهة
يعتقد العديد من المُتخصِّصين في مجال التغذية أنّ عصير الفاكهة قد لا يكون خياراً صحياً جيِّداً، لما هى اسباب مُختلفة. فمن جهةٍ أولى، يَنصح الخبراء الشخص العادي البالغ بتناول حوالي 5 حصصٍ من الفواكه والخضروات كلَّ يوم، إلا أنَّهم لا يرون أنَّ شرب عصير الفاكهة يُمكنه التعويض عن أيِّ واحدةٍ من هذه الحصص، لأنَّه يفتقر إلى نسبةٍ كبيرةٍ جداً من المُغذِّيات الموجودة في الثمار المُكتملة. عدا عن ذلك، يمتصُّ الجسم العصير بسُرعةٍ كبير جداً بعدما يدخل المعدة، بحيث لا يحصل على فُرصةٍ كبيرة للاستفادة من الغذاء الضَّئيل المَوجود فيه، فيما قد يُسبِّب ارتفاعات مفاجئة في مستوى السكر بالدم، فحسبما تقول الباحثة في مجال التغذية سوزان جيبّ: "بكلِّ صراحة، عندما يصل العصير إلى معدتك، فإنَّ جسمك لن يحصل على الكثير من الوقت ليُميِّز ما إن كان عصير برتقالٍ أم شراب كوكاكولا". في المُجتمع البحثيّ، كان يُعتبر عصير الفاكهة في مُنتصف القرن العشرين - بشكل عامٍّ - مصدراً صحيًّا للغذاء، إلا أنَّ وجهة النظر هذه قد تغيَّرت كثيراً في الفترة الأخيرة، حيث لا يُشجِّع مُعظم الخبراء الآن تناول هذه العصائر.[?]
ارتفاع السكريَّات
من المُشكلات الرئيسيَّة التي تُقلق الخبراء حيال عصير الفاكهة هي نسبة السكريَّات المُرتفعة فيه، فمع أنَّ العصير يوحي بأنَّه غذاءٌ صحيٌّ جداً كونه "طبيعياً" ومصنوعاً من "الفاكهة"، إلا أنَّ كميَّة السكر فيه معادلةٌ تماماً (في الكثير من الأحيان) لكميَّة السكر في المشروبات الغازية مثل الكوكاكولا، بل في الحقيقة، قد تتجاوزها في بعضٍ من الحالات، فبينما يحتوي كلُّ كأسين من شراب الكوكاولا على 140 سعرةً حراريَّة بما فيها 40 غراماً من السكر (ما يُعادل 10 ملاعق شاي)، يحتوي كأسان من عصير التفَّاح الطبيعيّ على 165 سعرةً حراريَّة بما فيها 39 غراماً من السكر (أو ما يعُادل 9.8 ملاعق شاي).[?]
تبرز المشكلة، عند مقارنة عصير الفاكهة مع الثمار الطبيعيَّة، بأنَّه من السَّهل استهلاك العصير بكميَّات كبيرة جداً دون حساب، ممَّا يرفع كثيراً من حصَّة السكريات اليوميَّة، دون أن يرفع معها الحصة الغذائية بما يَكفي، السبَّب في ذلك هو أنَّ الألياف الغذائية الموجودة في الفاكهة تساعد على إشعار الشخص بالامتلاء بعد الأكل، وأما العصير فهو يفتقر بالكامل تقريباً للألياف، ممَّا يفتح المجال لتجرُّع كميات كبيرة منه دون شعور بالشَّبع.[?] قد لا يكون شُرب عصير الفاكهة سيئاً جداً بالنسبة لشخصٍ يُحافظ على وزنٍ صحيّ، إلا أنَّه قد يُمثِّل مُشكلةً كبيرة - من جهة أخرى - لمن يعانون من مشكلات الوزن والتغذية. بصورةٍ عامَّة، ينصح بعض خبراء التغذية بعدم تناول أكثر من 125 مليمتراً (نصف كأس) من عصير الفاكهة في اليوم الواحد.[?]
المعالجة
عدا عن ذلك، الكثير من شركات إنتاج العصير تقوم بمُعالجة منتجاتها بطريقةٍ لا تدركها، فمع أنَّها قد تُوزِّع العصير تحت تسمية أنَّه "طبيعيٌّ 100%" أو "غير مصنوعٍ من عصير مُركَّز"، إلا أنَّ ذلك لا يعني أنَّه محتفظٌ بخصائصه الطبيعية؛ فبعد أن يُستُخلص العصير من الفاكهة الطبيعيَّة (كالبرتقال مثلاً) في المصنع، يُمكن أن يبقى مُخزَّناً داخل صوامع عملاقة لمُدَّة سنةٍ كاملة، ممَّا يؤدي إلى ضياع معظم نكهته. عند ذلك تضطَرُّ الشركة المُصنِّعَة إلى إضافة مُنَكِّهاتٍ صناعيَّةٍ إليه للتعويض عن المشكلة واستعادة مذاق العصير الجيِّد. هذا بالنسبة للعصائر مرتفعة الثمن، أما العلامات و دلائل التجاريَّة الرَّخيصة، فمن المُمكن أن تبيع منتجاتٍ أقرب إلى ماءٍ بالسُّكَّر له شيءٌ بسيطٌ من مذاق الفاكهة.[?]
الخلاصة
مع أنَّ عصير الفاكهة يحتوي بالفعل على كميَّات من عناصر مفيدة، مثل مضادَّات الأكسدة والفيتامينات، إلا أنَّها صغيرة جداً؛ بحيث قد لا تكون كافيةً للتعويض عن مضارِّه من السكريَّات الكثيرة، وذلك عدا عن أنَّ العصير يفتقر بصورةٍ تامَّة إلى العديد من المُكوِّنات الأساسيَّة التي تجعل ثمار الفاكهة الأصليَّة مُغِّذية، منها على سبيل المثال الألياف الغذائية، التي تكون غنيَّة جداً داخل الثمار وتساعد الجسم على الهضم، بينما تنعدم تقريباً في العصير.[?]