جعل الله سبحانه وتعالى الإيمان بالقدر من أركان الإيمان السّتّة ، فالمسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، فالمسلم وهو يعبد ربّه يعلم علم اليقين أنّ الرّحمن جلّ وعلا قد قدّر مقادير الخلائق جميعها قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ ، فعلم الله ومشيئته سابقةٌ ومهيمنةٌ ، فهو سبحانه المتفرّد عن الخلائق بصفات العلم والقدرة طرق ووصفات الألوهيّة ، فلا ينازعه أحدٌ من خلقه في ذلك ، وإنّ الله سبحانه وقد كتب في اللّوح المحفوظ مقادير البشر وأحوالهم قد علم مسبقاً بذلك ، فلا حجّة لأحدٍ من النّاس أن يقول أنّ كلّ شيءٍ مكتوبٌ فيترك العمل ، فالأصل هو أنّ الإنسان مختارٌ قد أعطاه الله ووهبه نعمة الاختيار تكريماً له ، وهذا لا ينافي أنّ الله قد سبق علمه علم البشر ، فالله سبحانه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون .
و إنّ للقدر أربعة مراتب يجب الإيمان والتّصديق بها أولها العلم فعلم الله صفةٌ ثابتةٌ في ذاته سبحانه ، ولا يحيط أحدٌ من خلقه بشيءٍ من علمه إلا بما شاء سبحانه ، فهو يعلم ما كان وتعرف ما هو كائن وما سوف يكون بعلم أزليٍ لا يطلع عليه ملكٌ مقربٌ أو نبيٌّ مرسلٌ ، وهناك مرتبة الكتابة حيث كتب الله مقادير الخلائق وتعرف ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فقد كان أوّل شيءٍ خلقه الله من مخلوقاته هو القلم وقال له ربّ العزّة آمراً : اكتب ، فكتب تعرف ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة ، وهناك مرتبة الخلق ، فالمسلم يعلم أنّ الله وحده هو المتفرّد بالخلق والإيجاد ، وأخيراً هناك مرتبة المشيئة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ومشيئته سبحانه لا تتعارض مع مشيئة البشر واختيارهم لأفعالهم وأقوالهم ، فمشيئة البشر هي جزءٌ من مشيئته سبحانه وتسير في فلكها .
و إنّ المسلم حين يؤمن بالقضاء والقدر يسلّم قلبه وأركانه لله سبحانه ، فيرضى بما كتبه الله من رزقٍ وأجلٍ ، ويعلم أنّ الأمّة كلّها لو اجتمعت على أن تنفعه بشيءٍ لم تنفعه إلّا بما كتبه الله له ، وبالمقابل لو أراد أحدٌ أذيته ولو اجتمعت معه النّاس أجمعين لم يستطيعوا ذلك إلّا بإذن الله ، فقد جفّت الأقلام ورفعت الصّحف .