القدر ومراتبه
يعدّ الإيمان بالقدر خيره وشرّه من أركان الإيمان الّتي يكتمل بها إيمان المسلم، ذلك بأنّ الإيمان بالقدر هو الإيمان بأنّ الله تعالى قد قدّر شؤون الخلائق وعلم بها وتحقّقت مشيئته بسببها فكانت خلقًا وحقيقةً تشاهدها الأعين، وبالتّالي فإنّ القدر هو عبارة عن أربع مراتب أوّلها علم الله تعالى بكلّ شيء وهي صفةٌ أزليّة ثابتةٌ لله تعالى، قال تعالى: ( إنّ الله بكلّ شيءٍ عليم )، ثمّ تأتي بعد ذلك مرتبة الكتابة؛ حيث صحّ عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قوله بما معناه ( إنّ الله قد كتب أمور الخلائق ومقاديرها قبل أن تخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنة)، ثمّ تأتي المرتبة الثّالثة من مراتب القدر وهي مرتبة المشيئة؛ حيث تشمل مشيئة الله سبحانه وتعالى في كلّ شيء، ولا يحصل شيءٌ في الكون إلا بإذنه ومشيئته، قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )، ثمّ تأتي المرتبة الرّابعة من مراتب القدر والتي تعتبر مرتبة التّنفيذ والإيجاد وهي مرحلة الخلق؛ حيث يوجد الله تعالى الخلائق وغير ذلك من أمور الدّنيا وأفعال العباد، قال تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، وبالتّالي فإنّ مفهوم وتعريف ومعنى القدر يشتمل على تلك المراتب جميعها فعلم الله تعالى يسبق كلّ شيء ثمّ تأتي الكتابة، ثمّ المشيئة، ثمّ الخلق والإيجاد .
آثار الإيمان بالقدر
وإنّ آثار الإيمان بالقدر تنعكس على إيمان المسلم وسلوكه في الحياة، فتراه يطمئنّ بأنّ الله تعالى قد قدّر مقادير الخلق جميعها فيطمئنّ لذلك، كما يعلم بأنّه لن يصيبه شيءٌ من الدّنيا سواء خير أو شر إلّا بأمر الله تعالى ومشيئته، فينطلق في حياته متوكّلاً على الله راضيًا بقضائه مطمئنًا، وبالمقابل فإنّ عدم الإيمان بالقدر يجعل الإنسان متخوّفًا متوجّسًا ممّا سيحصل له، وربّما حمله ذلك على أن يأتي العرّافين لظنّه بأنّ ذلك سوف يجعله يعلم بما سوف يحصل له فيستعدّ له .
وقد حصلت يومًا حادثةً تدلّ على إيمان السّلف الصّالح بمسألة القدر وذلك في عهد سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه؛ إذ همّ المسلمون بدخول أرض الشّام فجاءهم من الصّحابة من يخبرهم بأنّ الوباء قد حلّ بالشّام، فاستشار عمر الصّحابة في ذلك واستقرّ رأيه أخيرًا على عدم دخولها، وقد لامه أحد الصّحابة فبيّن له أنّه يفرّ من قدر الله إلى قدر الله، وقد أيّده في ذلك صحابيّ تذكّر حديثًا عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يؤيّد رأي عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه .