بناء الشخصية
يمرُ الإنسانُ في حياتهِ بأطوارٍ مختلفةٍ، ويتأثرُ بناءُ الشخصيةِ لديهِ بهذهِ الأطوار، فيبدأُ منذُ الصِغَر مقلداً لغيرهِ، متأثراً بمن حولهُ، لا يستطيع أن يُكَوِّنَ لنفسهِ شخصيةً مستقلةً بذاتِهِ، ومعَ مرورِ الزمن ينتقلُ إلى مرحلةٍ أخرى يبدأُ من خلالها تكوينَ البصمةِ الخاصةِ بهِ، والتي تعكسُ شخصيتهُ التي عادةً ما تكونُ نتاجاً طبيعياً للمحيطِ المؤثرِ، سواء كان هذا المحيط عائلةً أو أصدقاء أو زملاء دراسةٍ أو مدرسين، أو حتى محيطاً وهمياً في الشبكةِ العنكبوتيةِ !! ومِن هُنا نستطيعُ القول، بأن بناءَ الشخصيةِ، يبدأُ مِنَ البيئةِ التي ينشأُ فيها الفرد، فإما أن تساعدَ على تقويتها وبنائِها بناءً صحيحاً، وإما أن تعملَ على إضعافها وتوهينها.
أثر الأسرة
في مرحلةِ البناءِ الأولى، يكون للأسرةِ ابتداءً أكبرُ تأثيرٍ، وخاصةً الأبوين، فإما أن يكونَ المحيطُ الأسري إيجابياً، فيساعدُ الأبوين على بناء وتقوية وتنمية الشخصيةِ لدى الابنِ، وذلك من خلال زرع الثقةِ لديه بنفسهِ، والعملُ على تحفيزِ الذكاء لديهِ، وتقويمِ السلوكِ، وتهذيبِ التصرفاتِ وضبطها، وتنقية الفكر من كل ما يهدمُهُ. أما إذا كان المحيطُ الأسري سلبياً، إمَّا لإهمالِ الوالدينِ، أو لتربية الابن على بعضِ الأفكارِ التي تُضعِف من شخصيته، وتُزَعزِعُ ثقتهُ بنفسهِ، فبعضُ الآباءِ يُربونَ أبنائهُم على الخوفِ من أمورٍ موهومةٍ، وربما ليسَ لها وجودٌ في الحياةِ أصلاً، وربما يتم تهديدُ الابنِ أو ضربِهِ، فيَكبرُ الابنِ ضعيفاً مهزوزَ الشخصيةِ، خائفاً حائراً، لم يتَشَرَّب فِكراً صحيحاً، ولا بُنِيَت شَخصيتهُ بناءً سليماً!
أمَّا عندما يَكبرُ الإنسانُ، فيُصبِحُ مستقلاً بذاتهِ، فإن شخصيتهُ ترتبطُ - غالباً- بالهدفِ الذي يَضَعُهُ في حياتهِ، فإما أن يضَعَ لنفسه هدفاً بسيطاً، يرتبطُ بمشاغلِ الحياةِ وهمومِها، فينعَكِسُ ذلك سلباً على شخصيته، وإمّا أن يكون هدفاً عظيماً، وهذا الهدفُ سيغيرُ من طبيعة شخصيتهِ لكي يستطيعَ أن يصِلَ إليهِ، فلا يُمكِنُ لضعيفِ الشخصيةِ أن يصلَ إلى المراتبِ العاليةِ والغاياتِ الساميةِ، وذلك لضعفِ همتهِ، وخوارِ عزيمتهِ، وتزَعزُعِ ثقتهِ بنفسهِ، ولعلهٌ حتى لا يستطيعُ أن يضَعَ لنفسِهِ هدفاً أصلاً !
قوة الشخصية
من أهم العوامل التي تُظهِرُ قوةَ الشخصية، طبيعةُ الهدفِ الذي يضعهُ كل شخص لنفسهِ، والمسؤولياتِ التي يتحملها في سبيلِ ذلكَ، والسماتِ التي يجبُ أن يتسمَ بِها من يحملُ على عاتقهِ مسؤوليةَ الوصولِ إلى الغاياتِ الساميةِ، ومما يساعدُ على تقويةِ الشخصيةِ، المثابرةُ والإصرارُ على الوصولِ إلى الهدفِ، وتركُ التكاسلِ والتواكلِ على الغيرِ، فالفَرقُ ظاهرٌ والاختلاف شاسعٌ بين الشخصيةِ التي تجتهدُ في السعيِ لتحقيقِ غايتِها، والشخصيةِ التي تعتمدُ على من يوصلها إلى الغايةِ المنشودةِ من يدها تساقُ إليها سوقاً.
تكون الشخصية قويةً، بالإرادةِ الحرةِ التي ينطلقُ فيها صاحبها من ذاتِهِ، وتَنبعُ من نفسِهِ، معبرةً عن طموحِهِ في الحياة، وذلك بالتحررِ من القوالبِ الجامدةِ التي تحدِّدُ إرادتَهُ وتعيقُ مِن حركتهِ، وتَضَعُ العراقيلَ أمامَ تطورهِ، وهذا العاملُ يرتبط كما ذكرنا في البدايةِ، بالمجتمع الذي ينشأ فيه الفرد، فالفكرُ المتحجرُ والتَّقَوْلُبُ في قالبٍ واحدٍ، يكون - غالباً - نتاجاً لمجتمعٍ ترسَّخَ فيه هذا الإنغلاقُ الفكري، والعكس بالعكسِ في مجتمعٍ منفتحٍ، يستوعبُ جميعَ الأفكارِ، ويفتحُ البابَ واسعاً أمامَ التحررِ والإبداعِ، وينبغي أن نعلمَ بأنَّ الحكمَ على الشخصيةِ بالقوةِ أو الضعفِ يختلفُ من مجتمعٍ لآخر، باختلافِ طبيعةِ المجتمعِ وتركيبتهِ، ولكن مع ذلك نستطيع أن نحدِّدَ سماتاً مشتركةً، تحدِّدُ معالمَ الشخصيةِ القويةِ التي نحتاجُ لبنائِها في هذا المجتمعِ.
إذاً ومن خلالِ ما سبقَ نستطيعُ تحديدَ الأمورِ التي تساعدُ على بناءِ شخصيةٍ قويةٍ، من خلال النقاطِ التاليةِ :
إظهار قوة الشخصية
لكي تظهر قوة الشخصية لدى الإنسان لا بدّ أن يتصف بصفات محددة، تظهر للناس أنه قويٌ غير مهتزٍ، ولا ضعيفٍ، وهذا يُمكِنُ إظهاره من خلال:
وفي الختام؛ فإن بناءَ الشخصية من الأمورِ التي يجِبُ دراستها وإعداد الدوراتِ المتخصِّصَةِ لها، وعقد الندوات وإقامة المحاضرات، بل وإنشاء معاهد متخصِّصةٍ، لأنها تَرتبِطُ ببناءِ جيلٍ كاملٍ تقعُ عليهِ مسؤوليةُ مواكبةِ العصرِ وتطوره، وتؤثر بلا شك في بنيةِ المجتمعِ وقوته.