مقدمة
الغيبة هي إحدى العادات السيئة التي تسود المجتمعات كافّة، ولا شك أن كل إنسان يكره أن يكون موضوع الغيبة وحديث الآخرين، ولهذا فقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم منها، وأخبرنا أن الغيبة تكون بذكر الآخرين بما يكرهون من صفات موجودة فيهم. والحقيقة هي أنّ الغيبة ليست حكرًا على النساء فقط، أو على مجتمع واحد فحسب، بل هي طبيعة موجودة في نفس الإنسان.
لماذا أبتعد عن الغيبة
تعتبر الغيبة نوعًا من الإساءة للآخرين من دون علمهم، وهي إن دلّت على شيء فإنما تدل على الضعف، فالإنسان القوي الواثق من نفسه ومن قدراته والمنفتح ذهنيًا يعرف أن لكل إنسان حقه في أن تحترم كرامته وأن لا يتم المساس بها أبدًا، وبهذا فأنت عندما تغتاب أحدًا فأن تسيء إلى نفسك قبل كل شيء وتقلل من قدرها. سبب آخر للابتعاد عن الغيبة هو أن الناس دائمًا يعرفون أن من يغتاب الآخرين أمامهم فإنه قد يذهب ويغتاب هؤلاء أيضًا أمام أناس آخرين، فتضيع الثقة في العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص، وتصبح رؤية الشخص الذي يغتاب أمرًا غير محبب. والغيبة تعطي انطباعًا بأن الذي يغتاب هو إنسان فارغ لا هدف له في الحياة سوى تصيد أخطاء الآخرين ونقدهم وترديد ما يقولون بسخرية بعكس الإنسان الناجح الواعي الذي يضع أمامه أهدافًا يحققها ولا وقت لديه لهذه الأشياء. ناهيك أن الله حذرنا من أن نسخر من الآخرين، فربما يكونون خيرًا منا عند الله ونحن لا نعلم، وبذلك نكسب السيئات.
كيف أبتعد عن الغيبة
اسأل نفسك: ما الهدف من الغيبة؟ وماذا سأحقق عندما أعيد ما قاله الآخرون أو أتكلم عن صفاتهم السيئة؟ ستجد أنه على العكس تمامًا لا توجد فائدة واحدة يمكن أن تجنيها من الغيبة، وبرغم أن البعض يعتقد أن الغيبة هي وسيلة لتقوية وتنمية الروابط الاجتماعية وإيجاد مواضيع مشتركة للحديث عنها في المجالس، إلا أن الحقيقة أن الغيبة على النقيض تفكك العلاقات الاجتماعية وتنشر البغض والكراهية بين الناس، ليس فقط بينك وبين الذي تغتابه بل أيضًا بينك وبين أولئك الذين تغتاب أمام. اسأل نفسك دائمًا قبل الحديث عن أي شخص: هل ما سأقوله يمكن أن يؤذي الشخص الذي أتكلم عنه أو يشوه سمعته؟ وهل سيكون الشخص الذي أتحدث عنه سعيدًا إذا سمعني وأنا أقوم بغيبته؟ وهل سأكون أنا سعيدًا عندما أعيد التفكير فيما سأقوله عن هذا الشخص؟ إذا كنت على وشك ذكر شخص ما بسوء فتخيل أنه من الممكن أن يكون واقفًا خلفك وأنه قد يأتي بينما تكون أنت تتحدث عنه، أو ضع نفسك مكانه وتخيل ما يمكن أن يشعر به هذا الشخص.
من المهم أن تتذكر أن احسن وأفضل رادع للغيبة هو عن طريق تذكر عقاب الله سبحانه وتعالى وغضبه على الذين يغتابون ويذكرون الآخرين بسوء. فأنت في غنى تام عن الإثم الذي سيلحق بك في حال اغتبت الآخرين، حتى وإن كانت هذه الصفة موجودة فيهم فعلًا، فاحرص على تجنبها. فأنت لا تدري، لربما تدور الأيام وترتكب أنت نفس الفعل الذي كنت تنتقده في شخص ما، وهو أمر وارد جدًا إذا ما اغتبت الآخرين. وتذكر أن عليك الاستعانة بالله سبحانه وتعالى في أن يساعدك على الانتهاء والتخلص من الغيبة والابتعاد عنها، وأن تدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء: "اللهم اجعل كتابي في عليين، واحفظ لساني عن العالمين" . ردد الدعاء دائمًا كلما تذكرت أو كلما هممت بغيبة أحد.
أحيانًا يغتاب الناس من أجل لفت الانتباه إليهم وإلى وجودهم وأهميتهم، بينما يمكن ببساطة لفت الانتباه بشكل احسن وأفضل وأسلم كأن تطرح معلومة جديدة هامة سمعتها أو قرأت عنها وتكون مثيرة للاهتمام، وبهذا تكون قد أصبت عصفورين بحجر واحد، فتكون قد لفت الانتباه إليك وأعطيت صورة جيدة عن نفسك وعن مستوى حديثك وثقافتك. بينما في أحيان أخرى يكون السبب وراء الغيبة هو الغضب من شخص ما وحمل مشاعر سلبية تجاهه نتيجة موقف معين. هنا، من المهم أن تنتبه أن الحديث عن هؤلاء الأشخاص في غيابهم لن يؤدي إلا إلى المزيد من المشاعر السلبية، لذلك فمن الاحسن وأفضل أن تتحدث مع الشخص بعد أن تهدأ وتصارحه بأنه قد أزعجك وأنك ستقدره وتكون شاكرًا إن لم يكرر ما فعله أو قاله، واحرص على الحفاظ على هدوء أعصابك عند الحديث وتأكد أنك فعلًا تريد أن تصلح الأمور بينك وبينه. ولكن في بعض الأحيان تصل الأمور إلى أبعد من ذلك ويكون الجرح أعمق من أن يصلح بمحادثة بسيطة، عندها يستحسن أن تزيل الشخص من تفكيرك تمامًا وتشغل نفسك بأشياء أخرى، بدلًا من تضييع وقتك في الحديث عن مدى سوء تصرفات هذا الشخص.
في حال كنت قد اغتبت الآخرين كثيرًا فيما مضى، وتشعر بالذنب، فتقرب من الله تعالى واستغفره. ولأن الغيبة تعتبر من حقوق العباد التي لن يسامحك الله عليها إلا إن سامحك الناس، فعليك أيضًا أن تستغفر لمن اغتبته وتدعو له. ولا داعي لمصارحة من اغتبته بما قلت أو أن تطلب منه السماح فأنت بذلك تؤذيه مرتين: مرة عندما ذكرته بما يكره دون علمه، والمرة الثانية عندما أعلمته أنك قد فعلت ذلك. فاكتف إذًا بالاستغفار والدعاء لمن اغتبته واحرص على أن تكون نيتك صادقة لله تعالى ليغفر لك.
كيف أتعامل مع من يغتاب
من الرائع أن يكون لك دور فاعل في موضوع الغيبة، ليس فقط عن طريق الابتعاد عنها، بل أيضًا بإبعاد الناس عن الغيبة. فإذا كنت أكبر سنًا من الشخص الذي يغتاب بكثرة أو كنت مسؤولاً عنه، فتحدث إليه على انفراد وناقش معه الموضوع، وتذكر دائمًَا أن المغتاب يكون عادة في موقف ضعف، فحاول أن تعرف سبب ضعفه، دون أن تخبره أنه ضعيف، وعزز ثقته بنفسه وقوته، وذكره أن الغيبة لن تورثه سوى المزيد من الضعف والإثم وكراهية الناس.
إذا كنت تعرف أحدًا يغتاب بشكل دائم ولا يتعظ بخطورة الغيبة، فحاول إذًا أن تتجنب وجودك حوله، وإن اضطررت أن تجلس معه و بدأ يغتاب، فاحرص على أن لا تتفاعل معه أو تبدي اهتمامًا بما يقول، كن محايدًا وقل له أن لا علاقة لك بهذا الموضوع أو أنه لا يهمك كثيرًا وأن لديك أمورًا أخرى لتنجزها. بهذه الطريقة فأنت تشعره أن لا يغتاب مرة أخرى في حضورك وأن الغيبة التي يقوم بها لا تجذب انتباهك إليه، بل على العكس تجعلك تشعر بالنفور، فبالتالي لن يغتاب أمامك مرة أخرى. طريقة ذكية أخرى هي أن تغير موضوع الحوار بطريقة غير مباشرة لينتقل الحديث إلى شيء مهم أو فكرة تستحق المناقشة، بدلًا من إضاعة الوقت في شيء غير مُجدٍ. أو إن كنت تعرف أن هذا الشخص سيبدأ بالغيبة بعد قليل، فسارع إلى فتح موضوع شيق للنقاش لا علاقة له بما يمكن أن يتحدث عنه المغتاب، وبهذا تكون قد وفرت على نفسك وعلى الشخص المغتاب وعلى الشخص الذي كان من الممكن أن تتم غيبته، وافعل ذلك حرصًا على رضا الله، وإكمالًا لإنسانيتك واحترامًا لذاتك وللآخرين على حد سواء. َِِ