بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد،
تكلمنا في مقالٍ سابقٍ بعنوان: (تعرف ما هو علم النحو؟) عن علم النحو ومعناه وأهميته. وكُنَّا قد افتتحنا ذلك المقال ببيان أهمية وفائدة تعلم اللغة العربية ودراسة قواعدها وأساليبها، فذكرنا كيف أن تعلمها يساعد كل من يريد تقويم لسانه، والانتهاء والتخلص من العُجْمَة، وتحسين الكتابة والإملاء لديه. وذكرنا أيضًا أن اللغة العربية هي اللغة التي شرفها الله تعالى وجعلها لغة القرآن الكريم، وأن المسلم الذي يريد فَهْم كتاب الله وتدبر معانيه لا بد له من تعلم اللغة العربية التي نزل بها هذا القرآن العظيم.
وقد بَيَّنَّا في ذلك المقال أن عِلْمَيَّ النحو والصرف هما عِلْمَان متلازمان، لا يَنْفَكُّ أحدهما عن الآخر، فكُلٌّ منهما مكملٌ للآخر. وقد عَرَّفْنا علم النحو، وقلنا بأن له اسمًا آخر: وهو علم الإعراب، وقلنا أيضًا أن لهذا العلم معنيين: أحدهما خاص، والأخر عام، أما الخاص: فهو العلم الذي يختص بدراسة الأصول التي تُعْرَف بها أحوال الكلمات وعبارات العربية من حيث الإعراب والبناء، وعلم النحو بهذا المعنى الخاص هو الذي يسمى أحيانًا بـ (علم الإعراب). وأما المعنى العام: فهو الذي يشمل المعنى الخاص، ويشمل أيضًا علم الصرف الذي سنخصه بالكلام في بقية هذا المقال.
جاء الصرف في اللغة بمعنى: « رَدُّ الشيء عن وجهه، صَرَفَه يَصْرِفُه صَرْفًا فانْصَرَف. وصارَفَ نَفْسَه عن الشيء: صَرفَها عنه. » [راجع: لسان العرب].
وعلم الصرف: هو العلم الذي يبحث في صيغ وأوزان الكلمات وعبارات العربية المفردة قبل انتظامها في الجملة، ويبحث فيما يطرأ عليها من تصريف وإعلال وإدغام وإبدال. وموضوع علم الصرف هو الاسم المُعْرَب، والفعل المُتصرِّف. فلا يُعْنى هذا العلم بالأسماء المبنية، أو الأفعال الجامدة، أو الحروف.
والفرق بين الاسم المُعْرَب والاسم المبني، هو أن الحركة الإعرابية في الاسم المعرب تتعرض للتغير باستمرار؛ بسبب ما يدخل عليه من العوامل، أما الاسم المبني فهو على العكس تمامًا، فحركته ثابته مهما تغيرت العوامل، وأينما كان موقعه في الجملة، مثل اسم الإشارة: هذا.
وعلم الصرف هو أحد أهم علوم اللغة العربية، فعن طريقه نتمكن من ضبط صيغ الكلمات، ومعرفة أحوالها وما يعتريها من إعلال أو إدغام أو إبدال. فنميز عن طريقه بين الفعل الصحيح والمعتل، والمجرد والمزيد. ويُمَكِّنُنَا هذا العلم أيضًا من معرفة الجموع القياسية والسماعية والشاذة لهذه الكلمات.
ويشير بعض العلماء إلى أن علم النحو أكثر أهمية وفائدة من علم الصرف؛ لأن علم النحو تتغير فيه الكلمات وعبارات كثيرًا، ولكن تعلمهما معًا أمر مهم، فهما مكملان لبعضهما البعض.