حب الوطن بتقديس كل ما على أرضه من حجرٍ وشجرٍ وبشر ، حب الوطن يكون بكلمةٍ صغيرة نفتقدها كثيراً في أيامنا وهي ( الوفاء ) ، ويكون الوفاء للنفس أولاً بالصدق ، والوفاء لمن حولنا لو تمثلنا بهذه الصفة لكنا شعوباً طيبة نفتخر بانتمائنا لوطنٍ عريق يحضننا على أرضه ، يواري سوءاتنا ، ويتحمل نزواتنا وتمردنا على ترابه ، الوفاء له يكون بإعماره ، بري أرضه عرقاً وحباً ، بحمل إسمه في كل أرض نطأها ، نتحدث عنه بكل حبٍ وفخر حتى لوكان هذا الوطن صحراءاً جرداء ، الوفاء يكون بتحلينا بدماثة الأخلاق وطيب المعشر أمام الشعوب الأخرى ، ليقال أن هذا الإنسان النبيل ، لا ينجبه إلا وطنٌ عريق .
الوطن بحاجة لقلمٍ ودفتر ، وعلمٍ منير يبني ويعمل ، ويجعل من رمال صحرائه جنة الله على الأرض ، الوطن يحتاج إلى سواعد مترابطة متراصة تدافع عنه بالعقل والقوة تنجيه من عواصف تحيط به داخل حدوده وخارجها ، الوطن ينجب ابناءاً يريد منهم الإخلاص له ولبعضهم ، الوطن يعمره التمدن والرفعة والعمل الدؤوب ، ويدمره قانون غاب يمارسه بعضهم ضد بعضٍ ، الوطن لا ينظر إلى عرقٍ ودينٍ وجنس ، تلغى جميع المسميات على خريطته ، فلا يعترف بالطوائف والأديان ، ولا يعترف بجنسٍ دون الآخر ، أوطاننا تعترف بالإنسان فقط وحرية الإنسان ، وعمله ومكانته ، لا تأسره هوية الفرد على الورق ، ولكن تحييه ما عمل هذا الفرد بهويته وانتمائه على أرض من بناءٍ وعمار ، وسعيٍه إلى تطور وطنه في شتى المجالات ، الوطن يحتاج سواعداُ تبني تتكاثف تتعاون ، كلٌ في مجاله كخليةِ نحلٍ لا تهدأ ، ولا يدمرها إعصار .
أوطاننا يا سادة ستتمرد في يومٍ علينا وتقتلع الجذور المهترئة ، والأغصان الزائفة ، وستحتضن الجبال القاسية ، التي تحفظ أساساته من الإنهيار والدمار ، لن يدع يد خائنٍ له بمجرد التفكير من ممارسة محاولاتٍ شيطانية لتتصدع قوة ومتانة تلك الجبال ، لنكن نحن الجبال العالية الشامخة ، نرفع علم وإسم الوطن في أعلى قمة على تلك الجبال العنيدة القاسية في وجه من يريد تصديعها ، جنبا إلى جنب بمحاذاة السماء العالية الصافية والشمس المشرقة .
تحضرني بعض الأبيات للشاعر الخالد أبدا محمود درويش من قصيدة ( الأرض ) ، والأرض هي الوطن حيث قال في بعض أبياتها :-
أنا الأرض
يا أيها الذاهبون إلى حبةِ القمح في مهدها ، أحرثوا جسدي !
أيها الذاهبون إلى صخرة القدس ، مروا على جسدي !
أيها العابرون على جسدي ، لن تمروا .
أنا الأرض في جسدٍ ، لن تمروا ...
هذه بعض الأبيات ، تجسد مرارة فقدان الوطن والحرية ، وذل التشتت في البلاد ، والصمود في وجه الإعصار والنار لحماية وطن قد سلب ، وتقديم الجسد كدرعٍ واقٍ لحماية الأرض والوطن ، ومن سلبت حريته في أرضه ووطنه وعن وطنه ، هو فقط من يعلم جيداً معنى الذل والفقد والحرمان .