ليس غريباً أن يشهد المسجد الحرام في مكّة المكرّمة عمليّات توسعة كبيرة خلال ما يزيد على ألف وأربعمئة عام؛ فالمسجد الحرام هو أهمّ مسجد لدى المسلمين؛ فهو محجُّهم، ومعتمَرهم، ومكان عبادتهم الأوّل الّذي تتضاعف الأجور فيه إلى مئة ألف ضعف حسب قول سيّد الإنسانية محمد –صلى الله عليه وسلم-.
مراحل توسعة الحرم المكي
مرّت توسعة المسجد الحرام بالعديد من المراحل خلال عمر الإسلام، فكانت توسعته الأولى في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-؛ حيث تمّت خلال هذه التوسعة زيادة المساحة وذلك بعد أن تعرّض المسجد المبارك لسيل عنيف استطاع اقتلاع مقام إبراهيم –عليه السلام- من مكانه، فقام الخليفة عمر بإعادة المقام إلى مكانه الأصلي، كما اشترى ابن الخطّاب بعض البيوت المحيطة بالحرم، وضمّها إلى ساحة الحرم وأحاطه بجدار بعد أن كان ساحةً مفتوحة.
في عهد عثمان بن عفان –رضي الله عنه-، توسّع الحرم أكثر، فزاد ذو النورين من مساحته، وأدخل بعض البيوت المحيطة في ساحته، وله الفضل الأوّل في إدخال الأروقة، والأعمدة الرخامية إلى المسجد المبارك.
وفي عهد عبد الله بن الزبير –رضي الله عنه-، أعيد بناء الكعبة المشرفة بعد أن احترقت بسبب الصراعات السياسيةّ. أما في عهد الوليد عبد الملك، توسّع المسجد الحرام للمرّة الرابعة في تاريخ المسلمين؛ حيث زيد في المساحة، وأدخلت الأعمدة السوريّة والمصرية إليه، وتمّ تشييد الشرفات من أجل وقاية المصلين من حرّ الشمس ولهيبها.
قام أبو جعفر المنصور بعد ذلك بتوسعة الركن الشامي، وبناء منارة في كلٍّ من الركنين الغربي والشمالي من المسجد الحرام، وتبليط حجر إسماعيل –رضي الله عنه-، وتغطية بئر زمزم بتعرف ما هو مناسب. أمّا في عهد الخليفة المعتضد بالله، فقد تمّ هدم دار الندوة؛ حيث حوِّلت إلى رواق في المسجد، وأنشِئت أبواب داخلية وخارجية، وبنيت الأعمدة، وأصبح المسجد مسقوفاً بخشب الساج. كما حدثت زيادة في المساحة بمساحة بيتين للسيّدة زبيدة في عهد المقتدر بالله.
في العصر الحديث، جرت عدّة تحسينات وتطويرات؛ ففي عهد الملك عبد العزيز، صارت للمسجد الحرام جهة رسميّة خاصة تشرف عليه، كما قام بصيانته كاملاً، وتبليط المسافة الفاصلة بين كلٍّ من الصفا والمروة، وتركيب المظلّات التي تحمي كلّاً من دخل هذا المسجد المبارك من الشمس، وتجديد المصابيح، وتبريده بالمراوح الجديدة.
وفي عهد الملك سعود فقد حدثت العديد من التطويرات، منها؛ فتح شارع تمرّ منه السيارات وراء الصفا، كما وأنشئت بناية خاصة بزمزم، وبنيت عدّة طوابق مع توسعة في المطاف، وأزيلت عدّة مبانٍ كانت تضيّق على المسلمين أثناء أدائهم للشعائر. وعندما استلم الملك فهد الحكم، زاد في المساحة الإجماليّة، وازداد عدد المآذن في عصره أيضاً، وأضيف بناء جديد للحرم يتضمّن على طوابق ثلاثة، كما وتحسّن نظام التبريد؛ حيث صار نظاماً مركزياً، بالإضافة إلى العديد من التحسينات الأخرى. في عهد الملك عبدالله حدثت توسعة لا زالت تحت التنفيذ؛ حيث إنّها تشمل كافّة مساحات الحرم ومرافقه المختلفة؛ حيث يمكن أن يتّسع الحرم بعد التوسعة إلى مليونين من المصلّين تقريباً.