رحلة الشتاء والصيف
ورد ذكر هذه الرّحلة في قوله تعالى :" لإيلاف قريشِ، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف"؛ وهي دلالة على رحلتين للتجارة كان يقوم بها رجال قريش قبل الإسلام في كل عام، ففي الصيف يتّجهون إلى الشام لأن مناخها معتدل أمّا في الشتاء فكانوا يذهبون إلى اليمن لأنها دافئة، فما هو سبب هاتين التجارتين؟ ولمَ لم يكن في أرض الجزيرة العربية مثل هذه التجارة؟
كانت مكة في تلك الفترة جرداء قاحلة ليست فيها زراعة، ولهذا السبب اشتدّ الفقر على العديد من سكانها حتى أخذ الآباء باصطحاب عائلاتهم إلى منطقة في مكة ليبقوا فيها مختبئين حتى يموتوا جوعاً، فلمّا علم هاشم بن عبد مناف ذلك أبى أن يكون بين العرب جائعاً فهذه هي أخلاق العرب التي تتسم بالشهامة والدفاع عن المستضعفين، وحتى لا يقلّ عدد العرب من خلال موتهم بهذه الطريقة أمر إخوته بالذهاب في رحلات للتجارة يتقاسم فيها الغنيّ ما ربحه من تجارته مع الفقير حتى لا يجوع في مكة أحد.
رحلات التجارة
حسبما جاء في التفسير فإنّ رحلات التجارة كان يترأسها أربعة أخوة من بني عبد مناف هم: هاشم وهو كان بمثابة ملك مكة، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل؛ وكان هاشم هو من يرأس الرحلة إلى الشام أما عبد شمس كان مسؤولاً عن رحلة الحبشة، والمطّلب كان يتوجه إلى اليمن، أمّا نوفل فكان يترأس الرحلة إلى بلاد فارس، وكانوا يُعرفون بأهل بيت الله الحرام لهذا لم يتعرض لهم أحد في رحلاتهم، ولم يتعرّضوا لأيّة مضايقات من قبل تجار البلدان التي كانوا يذهبون إليها على الرّغم من انتشار قُطّاع الطرق ووسائل في ذلك الوقت، وما يقومون به من أعمال سلب للقوافل.
كان هناك احتراماً وتقديراً خاصّاً لسكان بيت الله الحرام، وهذا ما ساعد أكثر في تجارة أهل مكة وتحسين مستوى معيشة سكانها من هذه التجارة، وهذه الرحلات كانت مٌقسمة ما بين فصلي الشتاء والصيف؛ ففي الشتاء تتّجه قوافل التجارة إلى الحبشة مروراً باليمن عند عودتهم ليجلبوا التوابل والعطور التي لم تكن موجودةً في مكة، أما في الصيف فتتجه القوافل إلى بلاد فارس مروراً بالشام قبل عودتهم لمكة ليجلبوا المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية المتوفرة آنذاك.
وقد ظلّ العرب على هذا الحال حتى بعث الله النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم فنزل في سورة قريش :"فليعبدوا ربّ هذا البيت، الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف"؛ وهذه دعوة لعبادة الله سبحانه وتعالى وتوحيده الّذي هدى أهل قريش إلى هاتين التجارتين كي يحميهم الله من الجوع والموت، ولكي يُبيّن لهم أنّ كل ما حصل لهم كان بأمر الله ورعايته ذلك لأنّهم استطاعوا الذهاب للتجارة والعودة سالمين دون أن يُؤذيهم أحد.