رحلة الشتاء والصيف
يقول الله سبحانه وتعالى، في إشارة إلى رحلة الشتاء والصيف: ?لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب ه?ذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف? (سورة قريش)، ورد ذكر هذه الرحلة في القرآن الكريم، وهي الرحلة التي كانت تقوم بها قبيلة قريش، من أيام هاشم بن عبد مناف، حيث كانت رحلة الشتاء لليمن، ورحلة الصيف إلى بلاد الشام، والإيلاف؛ هو إشارة للمعاهدات التي كانت تنظم هذه الرحلة مع القبائل.
حقيقة رحلات قريش في فصل الصيف إلى الشام
كان هذا عنوان محاضرة ألقاها الدكتور عبد العزيز الهلابي، وهو أستاذ في التاريخ والحضارة الإسلامية في جامعة الملك سعود، وقال في محاضرته إن تجارة قريش تعود إلى العصور الجاهلية، عندما نجح جد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هاشم بن عبد مناف في الحصول على وثيقة الأمان من قيصر الروم آنذاك، وفيها يسمح له بأن يجلب تجارة مكة إلى الشام، وحصل أيضا على عهود أمان أخرجها أشراف القبائل المتواجدة على الطريق، والتي كانت تتحكم بها،و كانت تسمى تلك القبائل بالإيلاف .
والإيلاف عند المفسرين كما يروى عن عكرمة البربري أنه قال: «أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت كألفهم رحلة الشتاء والصيف»، وعن البغوي أنه قال: «أمروا بعبادة الله كحبهم للتجارة صيفا وشتاء»، لكن المفسرين لم يشيروا إلى الشام أو اليمن تحديدا في تفسيرهم للسورة، وأقدم المصادر التي تحدد وجهة الرحلتين ما ورد عن محمد بن السائب الكلبي الكوفي الذي قال: «كان للعرب رحلتان، للشام صيفا ولليمن شتاء».
ما هى اسباب نجاح رحلة الشتاء والصيف
- غزو الجيش الحبشي لليمن، مما تسبب في تدهور تجارة حمير.
- حصول قريش على الأمن لتجارتها، وهذا بفضل تشكل الأحلاف التي قامت قريش بعقدها مع باقي القبائل ومعاملتهم تجاريا.
- ترأس قريش الزعامة الدينية لأنها مقصد الحجيج في موسم الحج فكانت القبائل تطلب ودها لتضمن استقبالهم في موسم الحج.
- المصاهرات التي حصلت بين القرشيون والقبائل الأخرى .
وقال أحد الشعراء واصفا إلهاء قريش بالتجارة: ألهى قريش عن المجد الأساطير:
و قولها رحلت عير و أتت عير
وقد خلص العلماء والمؤرخون إلى أن قوافل قريش كانت كثيرة وبالتالي لم تقتصر على الشتاء والصيف، فكانت مستمرة طوال العام، والإيلاف كان يحمل بالإضافة إلى البعد التجاري بعدا سياسيا مع كل من العراق وبلاد فارس وبلاد الشام واليمن.
سبب سن رحلة الشتاء والصيف
كان أول من سن هاتين الرحلتين كما ذكرنا هاشم بن عبد مناف، وكان سبب ذلك أن عادة سادت في قريش تسمى الاعتفار، فكان رب البيت إن أصابته فاقة فلم يجد طعاما لأهل بيته حمل عياله إلى موقع معروف، ينصب خيامه فيه، ويظل وأهل بيته حتى يموتوا جوعا فيه، حتى قام رجل من بني مخزوم بنصب خيامه، ليقوم بتلك العادة، لكن خبره بلغ هاشم بن عبد مناف فوقف خطيبا في قريش وقال: (إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعز العرب، وأنتم أهل البيت الحرام والناس لكم تبع ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم).
ثم سنت هذه السنة فصار يجمع من كل بني أب ليقوم على رحلتين للتجارات؛ فما يربحه الغني يقسمه بينه وبين الفقير من عشيرته، هكذا حتى صار فقيرهم كغنيهم.