ان العلاقة بين الأدب وعلم النفس يمكن القول بإنها موغلة في القدم ، فالكتابة الأدبية منذ بدايات ظهورها ، حتى عندما كانت تأخذ طابع الحكايات الملحمية للأبطال الخارقين عند اليونان وغيرهم ، يمكن الربط بينها وبين تكوين النفس البشرية . عند هوميروس على سبيل المثال في الإلياذة والأوديسة ظهرت العديد من التأويلات النفسية لتصرفات أبطال تلك الملاحم وتأثير ونتائج الإضطرابات التي سببتها الحوادث الكبرى على الوعي الجمعي كما نعرفه بشكله الحديث ، بل لقد قامت العديد من الدراسات الحديثة في علم النفس بضرب أمثلة من الأعمال الأدبية الكبرى لكتاب كبار مثل هوميروس وشكسبير وتولستوي ، وغيرهم .. . الأدب عند علماء النفس : أما علماء النفس و إرتباط مجال بحثهم بالأدب فنوجز آراء أشهرهم ، وهم فرويد ويونج ، حيث يقول فرويد عن الأدب أنه " لاشئ غير الأماني غير المتحققة ، والمخاوف المؤجلة." ، ويرى فرويد أن الأدب بناء على تعريفه الشخصي السابق تعرف ما هو إلا محاولة خروج أشياء حبيسة في اللاشعور البشري ، وتحتاج تلك الأشياء إلى الظهور في الوعي وبناء على ذلك الظهور تشكل تلك المخاوف علاقاتنا مع الأشياء المحيطة بنا . والفنان أو الأديب يتميز بامتلاك الوسيلة الملائمة للتعبير عن تلك المخاوف الدفينة ، فالكاتب لديه القدرة البلاغية التي تمكنه من بناء أحداث وتفاصيل ومزجها في بناء محكم بلغته الخاصة التي يتلقاها القارئ ، كما نرى في أعمال كافكا أو إدجار آلان بو اللذان تميزا بالقتامة والسوداوية ، ولا يوجد شك في وضوح العذابات النفسية التي تظهر في كتاباتهما ، ورغم أن تلك الكتابات كانت تعبر عن مخاوف ذاتية محضة إلا أن القدرة على اخراجها على الورق و إيصالها إلى القارئ جعلت منها أعمالاً أدبية عظيمة لأنها رغم قتامتها كانت صادقة للدرجة التي جعلها تصل إلى وعي قراء الأدب وربما مست مخاوفهم الشخصية بشكل كبير أيضا ! . أما كارل يونج عالم النفس الشهير والذي ارتبطت أبحاثه بالوعي الجمعي قد أضاف بعض الأفكار المفيدة في دراسة البناء النفسي للعمل الأدبي ، حيث نقل " يونج " بحثه عن الأدب من اللاشعور الفردي الذي تحدث عنه فرويد إلى اللاشعور الجمعي ، فالشخصية الإنسانية في نظر "يونج" لا يقتصر بناؤها على التجربة الفردية ، بل تمتد تلك التجربة لتصل إلى استيعاب التجربة الإنسانية الكاملة للتاريخ البشري عبر الإحتفاظ بالأنماط العليا مثل القيم عبر الأجيال المختلفة ، وتنتقل تلك الأنماط عن طريق الأجيال عبر الحكايا وما تمثله الموروثات ، فالكاتب على سبيل المثال لا يكتب تجربته الشخصية او مخاوفه التي مر بها فقط ، بل يكتب المخاوف التي يمر بها الجيل الذي يعيش زمنه والمنطقة الجغرافية بعلاقاتها الإجتماعية ، بالإضافة إلى التجربة العرقية إن وجدت ، وارتباط ذلك بالزمن وتراكم الخبرات والمكان .