تطوير الذات
إن العالم يصير في عجلة دائمة ومتسارعة، وهذا يتوجب علينا التواكب معه قدر الإمكان، وإلاّ سوف نبقى مكاننا عاجزين على التأقلم فيما يدورحولنا، وستضيع علينا الكثير من الفرص التي وهبنا الله إيانا في قدراتنا الخلاقة الغير مستخدمة، والتي من الممكن أن تُغيّر حياتنا نحو الأفضل. الفرد الناجح يسعى تلقائيّاً للنمو، والتغيير، والتجديد من خلال تطوير ذاته، ما معنى أن يُطوّر الفرد ذاته؟ هو أن يتبع الفرد سياسة يعمل فيها على تنمية مهاراته، وأفكاره، وسلوكه، وعمله، وروحه، وينقل حاله إلى حال احسن وأفضل ممّا هو عليه، وتضمن أيضاً التخلّي عن العادات السلبيّة، والسيئة التي تُعيق عمليّة التطوّر.
فتطوير الذات يشمل تطوير العقل، والنفس، والروح، ممّا يُشعر الفرد بالرضا والتميّز، لما حققّه من تغيير سواء باكتساب جديد مفيد أو تخلّي عن قديم سيئ، ممّا يُساعده على تحديد أهدافه في الحياة وتحقيقها، وتُهيأه للتعامل مع أي مشكلة تُواجهه بحرفيّة. إنّ علم تطوير الذات أصبح من العلوم التنمية البشرية المزدهرة في عصرنا الحالي، لما له تأثير ونتائج قوي على شخصيّة الفرد فيتعلم كيف يتحكّم ويضبط ذاته ، وردّات فعله بإدارة سويّة ومتوازنة، كما يُعرّف الفرد بقدراته المميزة الخلاّقة عن غيره، وكيفيّة استثمارها بالنحو الذي تحقق أهدافه ، وتجعله قادراً على اتخاذ القرار وصنعه، وتحديد أهدافه ومن أين يبدأ وإلى أين يصبو، كما تجعله قادراً على إدارة وتنظيم وقته وتحديد أولوياته، وطريقة التفكير بطريقة إيجابيّة، والتخلّي عن التفكيرالسلبي في النظرة للأمور.
إنّ أول خطوة لتطوير الفرد لذاته هو أن يُحب ويشعر الفرد بأهميّة نفسه، حتى يسعى لنقلها إلى حالٍ أفضل، وإلاّ سيبقى مكانه أو في حالة تدهور، فذات الفرد هي أساسه الذي هو عليها اليوم، وما يُقدمه الفرد لذاته يبقى ويعود بالنفع عليه لاحقاً، أمّا إذا قررّ البقاء على نمط وروتين حياة مُعينّة، فسيُصيبه الملل، والإحباط، واليأس، والتقاعس. ذات الفرد هي أرضه التي يجب عليه أن يزرع فيها كلّ مفيد، وأن يتخلص من كل تعرف ما هو ضار حتى يجني ثمار هذا التغيير لاحقاً.
أمّا الخطوة الثانية فهي تحديد الفرد أهدافه في الحياة، وهذا يُشعره بأهميّة وجوده في هذه الحياة، وإلاّ أصبحت حياته عبثاً، قد تتخبطها المشاكل وعيوب من كل الجِهات.
أمّا الخطوة الثالثة فعلى الفرد إيقاظ هِممه وقدراته العملاقة، وتفجيرها، فالله عز وجل خلقنا باحسن وأفضل حال، وأودع فينا جميعاً طاقات هائلة، وقدرات كامنة، هناك أفراد اكتشفوا هذه الطاقات والقدرات فسخرّوها لإعمار الأرض، وبالتالي حققوا أهدافهم وذاقوا طعم النجاح، وأصبحوا هم صُناع الحياة، وهناك آخرون لم يحاولوا حتى التّعرف على إمكانياتهم فعطلّوا حياتهم، وهمّشوا ذواتهم، وأصبحوا عبئاً على الحياة، وآخرون عرفوا طاقاتهم ولكن لم يسعوا في تحفيزها، أو سيرّوها في المسار الخاطئ، فخسروا الكثير من الفُرص.
كيف يتعرف الفرد على طاقاته وقدراته؟ على الفرد بدايةً أن يُحدد نقاط قوته، ونقاط ضعفه في كل المجالات، حتى لا يُحدد نفسه ويربطها في مجال مُعيّن، وأن يتعرف على كل ما حوله من جديد ولا يقتصر في مجال مُحدد، بل يُعطي نفسه الفرص في عدة مجالات، حتى يُتيح له التّعرف أكثر على مدى إمكانيّاته، فيستطيع أن يُحدد لاحقاً تعرف على ما هى رغباته، بعد أن يتم معرفة الفرد برغباته وقدراته أكثر، يبدأ بتطويرها بالتدريج، وبطريقة منطقية متسلسة، حتى لا يقع في التشتت.
خلال هذه المرحلة على الفرد أيضاً محاولة الانتهاء والتخلص من سلبيّاته التي تُعيق تطوره مثال على ذلك: انعدام الثقة، والاستعجال، وعدم الثقة بالآخرين، أو إفراط الثقة بالغير، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تُقلل من إبداع الفرد، بعد تحقيق كل ذلك، على الفرد التحلّي بعدة أمور تُعينه على التطوير والتنمية، مثلاً التحلّي بإرادة صلبة ورغبة قويّة خفيّة تدفعه للعمل بكل الظروف، قد تكون الإرادة ضعيفة ومُحددّة، ولا يوجد أي حافز يدفعها نحو الأمام، على الفرد التنبه لهذا الأمر، ومعالجته وإلا بقي مكانه.
كما عليه التحلّي بمهارة إدارة الوقت، ومهارة التواصل مع الآخرين وهي من المهارات المُلهمة والمُهمّة جداً، يأتي الآن مرحلة السعي نحو تحقيق الأهداف بالوسائل المُتاحة، وابتكار واختراع وسائل أخرى تُعينه في تحقيق الهدف، ثمّ تأتي مرحلة الاستمراريّة، والتواصل، والتطوير في مجال الهدف. بعد تحقيق ذلك كلّه سوف يشعر الفرد بلذة الإنجاز وتحقيق الهدف، ويشعر بأهميّة ذاته، ويبدأ تلقائياً بالتطوّر من مرحلة لأخرى. قال تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
موضوع عن تطوير الثقة بالنفس
الثقة بالنفس هي إيمان الفرد بطاقاته وإمكانيّاته، وقدراته، وقراراته، وهي مفتاح من مفاتيح النجاح في الحياة، وإن خسارة الإنسان لهذه المهارة تُفقده الكثير من الفرص، وتهدر طاقاته التي وهبها الله إياه فتجعل منه إنساناً سلبيّاً. الثقة بالنفس لا تعني الغرور والتكبّر، بل هي مهارة كغيرها من المهارات تُكتسب من البيئة المحيطة بالفرد وقابلة للتعلّم، والتطوّر، والتغيير، ولا تُولد بالفطرة كما يعتقد البعض. إنّ الثقة بالنفس تعود على الشخص بفوائد جمّة، فتُشعر الفرد بأنّه شخص مُميّز قادرعلى اكتشاف قدراته وميّزاته، كما تُكسب الفرد الاطمئنان والسير نحو اتخاذ القرار دون تردد، وبالتالي يستطيع تحديد أهدافه والانطلاق نحو تحقيقها بخُطى ثابتة، كما قد تكون الثقة بالنفس مصدر إلهامك في الكثير من المواقف التي تتطلب رد فعل سريع.
هناك بعض العوامل التي تُسبب انعدام الثقة بالنفس، وتُشكل مصدر خطر للفرد منها القلق والخوف المستمر من حصول الأشياء التي يخشاها أو يتوقع فشلها، ومخاطبة نفسه بألفاظ تُدمّر ثقته بنفسه مثل أنا غير قادر أو أنا ضعيف، وغيرها من الألفاظ التي تُقلل من شأن الفرد، وتُضعف قيمته، كما أنّ المقارنة مع الآخرين، وتقليدهم قد تكون سبب من ما هى اسباب انعدام الثقة بالنفس، كل إنسان خلقه الله ذو طابع خاص بقدرات مُختلفة، فلا يجب أن يٌقيّم الفرد ذاته بناءاً على إنجازات الآخرين، ولا يُعطي الأمور أكبرمن حجمها، فكثرة تهويل المواقف وتكبيرها قد تكون سبب في انعدام الثقة أيضاً.
قد يكون التعرض للفشل في الدراسة، أو العمل، أو في علاقة ما سبباً من ما هى اسباب انعدام الثقة، كما أنّ نظرة الناس الدونيّة إلى الفرد، وعدم توكيلهم مسؤوليات إليه كلّها ما هى اسباب تُساهم في زعزعة الثقة بالنفس. يستطيع الفرد التغلّب على كل هذه الأمور، وبناء، وتنمية ثقته بنفسه من جديد، كل ما هوعليه أن يتخلى عن التفكير بطريقة سلبيّة، والتوقف عن تحقير ذاته، وعدم استرجاع ذكريات الماضي المؤلمة التي سببت له زعزعة الثقة بالنفس، وعليه تحديد نقاط ضعفه، ثم وضع خطّة لتطويرها، وعلى الفرد أن يُقنع نفسه تماماً أن الله خلقه من أجل حكمة معينة ألا وهي العمل وتحقيق الاستخلاف في الأرض، بهذا يشعر أن عليه مسؤولية خُلق من أجلها، ويجب أن يسعى قي تحقيقها من خلال إمكانياته، فيستطيع الفرد أكثر التعرف على إمكانياته وهذا يزيد ثقته بنفسه.
كما على الفرد مخاطبة نفسه بألفاظ النّجاح وترديدها دائماً، مثل أنا قادر، أنا ناجح، وغيرها من الإيجابيات التي تكون مصدر إيحاء للفرد، وعليه أيضاً مواجهة نفسه بالمخاوف الذي تعتري أفكاره، وأن يبدأ باقتحامها سيجد أنها كانت مُجرد أوهام، وسيزول عائقاً أمامه. إنّ تقديم المساعدة للآخرين تساعد أيضاً في رفع الثقة بالنفس؛ لأن الفرد يشعر نفسه ذو أهميّة ، كما أنّ الظهور أمام الناس بمظهر لائق يُساعد أيضاً في زيادة الثقة بالنفس، وبالنهاية ما عليك إلاّ أن تُحب نفسك وتتقبلها كتعرف على ما هى مع السعي في تطويرها نحو الأفضل.
تطوير مهارة فن االتواصل
تُعد مهارة فن التواصل مع الآخرين من أهم المهارات التي تُساعد الفرد على تعريف ومعنى نفسه أمام الآخرين، وبالتالي تُساعده على تحقيق مصالحه، ومنافعه معهم، وتعرّف مهارة التواصل بأنّها عمليّة اجتماعيّة دينامكيّة يتبعُها الفرد مع الآخرين، لنقل معلومة، أو فكرة، أومفهوم وتعريف ومعنى مُعيّن، أومشاعر مُعينّة. تتكون مهارة الاتصال من أربعة عناصر: المرسل، والرسالة، ووسيلة الاتصال، ومتلقي الرسالة. ومن المفترض أن ينتج عن ذلك كله وصول الرسالة، وفهمها. يوجد نوعين للتواصل: تواصل لفظي وهذا يتضمن استخدام اللّفظ والكلام كوسيلة لنقل الرسالة، وقد يكون هذا الاتصال مباشراً أي وجهاً لوجه.
والنوع الثاني اتصال غير مباشر ويتضمن الرسائل المكتوبة، المكالمة الهاتفية وغير ذلك من الرسائل التي لا تكون وجهاً لوجه. يوجد عدة قواعد في مهارة الاتصال الفعّال يجب أن يتمتع بها المرسل حتى توصل رسالته بحرفيّة، أولاً: مهارة الحضور وتتضمن التركيز، والانتباه، وتوازن لغة الجسد مع مضمون الرسالة، فيجب أن تكون الرّسالة واضحة ومفهومة للآخرين، و مراعاة وضعيّة الجلوس بطريقة مريحة ومحترمة.
بالإضافة إلى توجيه البصرعند التحدث مع الشخص المُراد حتى يشعر بأهميّته، واختيار الوقت والمكان المنُاسب لنقل وجهة النظر، والتحدث بنبرة صوت واضحة، وتجنُب الإيحاءات والألغاز الغير مفهومة، واحذر مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم، وتقييمهم، والتعليق عليهم، كما احذر انتقاد الآخرين، واترك مجال للآخرين للتعبيرعن أنفسهم، وتقبل اختلافهم ووجهات نظرهم، كما يجب التحلّي بمهارة التعاطف مع الآخرين وهي جزء من مهارة الإصغاء وتعني قدرة الفرد على تفهم مشاعر وأفكار الآخرين. هذه كانت أهم القواعد لتطوير مهارة فن التواصل.
تطوير مهارة فن الإصغاء
تُعتبر مهارة فن الإصغاء والاستماع من المهارات الأكثر أهميّة وأكثر سهولة في مهارات تطوير الذات، ويتم ممارستها في جميع الأوقات، يجب تعلُم هذه المهارة لأنّها ستُتيح المجال للفرد للتّعرف على الآخرين، وعلى أفكارهم، ومشاعرهم، وبالتالي تُساعد في بناء علاقات وتواصل فعّال مع الآخرين. ماذا يعني الإصغاء؟ هو توجيه الإهتمام لما يقوله الطرف الآخر، ممّا يجعله يشعر بأهميته ومكانته لدى المُستمِع، والمُراد من الإصغاء هو أن يقوم المُستمِع بفهم وتحديد ما يقوله أو يشتكي منه الطرف الآخر، وتشجيعه على مواصلة البوح والكلام.
يجب على المُستمع أن يتحلى بعدة مهارات حتى يُجيد مهارة الإصغاء، فعليه التحلي بالإنصات الجيد ويعني القدرة على استماع الأمور، وفهمها، وتحليلها وأن لا يقتصر فقط على الكلمات وعبارات المسموعة، وأن لا يُقاطع المُتحدث أثناء حديثه ولا يتطرق ووسائل إلى مواضيع أخرى، وأن يُقبل المُستمع على المتحدث بكامل جسده، وبصره، وسمعه، وأن يتفاعل مع مشاعر المُتحدث بصمت أي يتم التعبير عنها بلغة الجسد كإيماء الرأس، وتعابير الوجه، والإستغراب، كما يجب التركيز على مايقوله المتحدث، ولا يفكر المُستمع بالإجابة.
كما يجب على المُستمع استثارة المُتحدث بأسئلة مفتوحة، مثل ما رأيك؟ ماذا لو؟، ويجب أن تكون صيغة التحدُث باحترام بعيداً عن إجبار الطرف الآخر بالتبرير، والدفاع عن نفسه. هذه كانت أهم القواعد البسيطة لتطوير فن الإصغاء والتي تُساهم في إنشاء علاقات قوية مع الآخرين، وكسب احترامهم.