عبد العزيز: أراك عدتَ من بلاد الأجانب وفي يدك هذا الكتاب فقط!
خالد: أجل.
عبد العزيز: أرني عن ماذا يتحدث هذا الكتاب؟
خالد: هو للراحل محمود درويش.
عبد العزيز: ما اسمه؟
خالد: بطاقة هوية.
عبد العزيز: لم أفهم، لماذا عدت من أمريكا بهذه السرعة، وليس في يدك سوى هذا الكتاب؟
خالد: هل فكرت يومًا أن تستنشق هواءًا لا يخالطه رائحة شقائق النعمان؟! أو رائحة رمالٍ ممزوجة بأنفاس من ماتوا دفاعًا عن شرفهم و أرضهم؟! هل فكرت يومًا أن تأكُل زيتونًا قبل مضغه تستشعر بعذوبة طعمه ولمعان زيته؟! هل فكرت يوماً أن تجلسَ تحت شجرة السرو الشامخة كشموخ من عاشوا على أرض الوطن؟! هل سمعت ما قاله الأستاذ الراحل محمود درويش: "ما حاجتنا للنرجس ما دمنا فلسطينيين؟"، هل سمعت هذا الكلام من قبل.
عبد العزيز: خالد! مابك؟ لم أفهم ما تقصده!
خالد: عبد العزيز، أتعرف ماذا تعني لي فلسطين الآن بعدما فارقتها شهرين ولم أقدر أن أزيد عليهم يوماً آخر!
فلسطين يا أخي جنةُ الله في الأرض، سحرها الفاتن، وترابها المخضب بالدماء، وهوائها الممشوق في السماء ليملأ صدر من يتنفسها بالكبرياء، وشعبها الطيب المكافح، لم أقوى على ترك هذه الثروة لأذهب حيثُ الزيف والبزخ والإستقرار، هناك في وحشة الغربة وقسوتها، وبين برودة السماء!
عبد العزيز: لكني أسمع أن أمريكا بلد الانتاج بلد الحضارة والرّقي والتقدّم والازدهار وبلد الحرية والديمقراطية!
خالد: وفلسطين! ألم تسمع أنّها مهبط الدّيانات السماوية، مسرى الرّسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعراجه إلى السّماء، القبلة الأولى، مسجد الأنبياء والمرسلين. ألم تشعر وأنت تحت سماء هذه الأرض المباركة بالفخر والعزة؟
عبد العزيز: أصبتَ يا خالد، ولكن في أمريكا فرص عملٍ كثيرة واستقرار، وأنت تعلم جيدًا يا خالد أنّ الفرص المحدودة والغير مستقرة في بلدنا أكثر بكثير من الفرص المحدودة!
خالد: أنت من لا تعلم أنّ البساطة مع الاستقرار كنزٌ، لو تملّكه المرء منّا لعاش سلطانٌ بين النّاس، وبقي باقي حياته سعيداً.
يا عبد العزيز، الأيام التي قضيتها بعيدًا عن تلك النعم أحسست وكأني أغبى مخلوق على هذه الأرض، كيف لي أن أستغني عن كل هذا مقابل حفنة من مال يذهب ويأتي وغايتنا منه قضاء حاجات لا تُلبى كلما شعرنا بأننا قد وصلنا لحد الاكتفاء.
عبد العزيز: ولكن لو مُنحتُ فرصتك لما توانيت.
خالد: لا أظنُّ ذلك، فيومٌ واحد قضيته بعيدًا عن رائحة بلادي أشاخ قلبي، وأنهك جسدي، لم أقوى على فراقها، ولا أعتقد أنك لو مُنحت فرصتي أن تذهب حيثٌ البؤس و الوَحشة، أو أن لا تعود أبداً.
عبد العزيز: أجل، فلسطين مهما مرّت بظروف فإنّها تتربّع القلب، ولا يُحتمل فراقها أبداً "ما حاجتنا للنرجس ما دمنا فلسطينيين".