ثمَّ علاقةٌ قويَّةٌ لا انْفِصام لها بين الأديبِ والنّاقد، وهذه العلاقَةُ ينْبغي أنْ تقومَ على التّماهي والانسجام بين الطّرفين، لا على الخِصام والنّديَّة، فالنَّقد عنْصرٌ مِنْ عَناصِرِ التّحليل الأدبيّ للظّاهرة الإبداعيَّة أيًّا كانت، والنَّقدُ -في أبسط تعريفاته- هدمٌ، لكنّه ليس هدمًا من أجل الهدمِ، إنّتعرف ما هو هدمٌ من أجل البناء، فما الوسائل التَّي ينبغي أن يتوسَّل بها النّاقدُ أو الدّارسُ؟ وما الطرق وخطوات أو المنهجيَّة المتّبعة عندما يُخضعُ نصًّا أدبياُ للتحليل والدّراسة؟
يتكونُ النّصّ الأدبيّ من محورَيْنِ رَئيسَيْنِ، هما: الشَّكلُ والْمَضْمون، علمًا بأنّهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، وإلّا لما تحقَّقَ مفهوم وتعريف ومعنى الْوَحْدةِ العضويَّة. ويشمل الشّكلُ الْبِناء الفنّي للنصّ، مِنْ حَيْثُ الطّولُ والقصرُ، وسلامةُ الْمَطْلعِ، وبراعة الاستهلال، واللُّغة (الأسلوب)، والأخيلة، ومصادر الموسيقا: الظّاهرة والخفيَّة. أمّا المضمون، فيقصدُ به المحتوى، ويشمل الأفكار، والعاطفة المسيطرة على الأديب، وبالذّات الشّاعر.
ولا بدّ -عند تحليلِ النصّ الأدبيّ- أن يمرَّ بالمراحل والطرق وخطوات الآتية:
أولًا- توطئة: يتناول فيها الدّارسُ تمهيدًا بسيطًا، يعطي المتلقّي انطباعًا عامًا مبدئيًا عن النصّ.
ثانيًا- جوّ النصّ: ويُقْصدُ به المناسبة التي دفعت الأديب أو الشاعر لكتابة النصّ، فالأديب يمرّ بتجربة شعوريَّة معيَّنةٍ تُغَرْبِلُ مشاعره وأحاسيسه، وتدفعه إلى كتابة النصّ، ولا شكَّ أنَّ عنصر الزّمانِ والمكان يلعبُ دورًا فاعلًا في تسليط الضَّوء على جوّ النصّ، فالأديب يقدّم لنا صورةً حقيقيَّة للحيّز (الزّمكاني) الذي يحيا فيه.
ثالثًا- الفكرة العامّة: وهي محور الارتكاز الذي يقوم عليه العمل الأدبي، ولا يمكن الوصول إلى الفكرة العامة بمجرّد النّظرة العابرة، بل لا بدّ من سَبْرِ أغوار النصّ وصولاً إليها؛ لأنّها تشكّل البؤرة المركزيَّة في العمليّة الإبداعيَّة.
رابعًا- تجزئةُ النصّ الأدبيّ إلى أفِكَارٍ رئيسةٍ، كلُّ فِكرةٍ تعبّرُ عن فقرة معيّنة، أو مجموعة أبياتٍ يربطها رابطٌ عضويّ وفكريّ واحد.
خامسًا- الْبدءُ في عَرْضِ هذه الْفِكَر، بحيث تتناول الجوانب الآتية:
- تفسير دلالات المفردات.
- طرْحَ تساؤلاتٍ معيّنة؛ وصولًا إلى الْمَقْصِدِ الّذي يرمي إليه الأديب.
- نثرُ الأبياتِ بأسلوبٍ أدبيٍّ متميّز -إنْ كان العملُ الأدبيُّ قصيدةً- وتوضيح ما يشتمل عليه مِنْ أفكارٍ وقيمٍ ومواقفَ وآراءٍ واتّجاهات.
سادسًا- مصادر التشكيل الجمالي:
ويتناول فيه الدّارس مواطن الجمال في النصّ، مِنْ أخيلةٍ، وصورٍ تعجّ بالحركة، وأساليبَ وأنْماطٍ بلاغيَّةٍ، فضلًا عن كيفيّة تناول بعض المحسّنات البديعيّة، ومدى توفيق الأديب في توظيفها بشكلٍ عفويِّ تلقائيّ، بالإضافةِ إلى الدلالات الرّمزية، أو الأبعاد الإيحائيَّة للألفاظ والمفردات.
سابعًا- التعليق الإجمالي العام على النصّ:
في هذه المرحلة يقدّمُ الْمُحلِّلُ دراسةً إجماليَّةً عامّةً للنصّ، تمنح القارئ انطباعًا أخيرًا كلّيًا. ويشملُ التعليقُ الإجماليُّ الحديثَ عن الغرض الأدبي، كالفخر أو الوصف أو الغزل أو الحكمة...إلخ، التجربة الشعريّة ونصيبها من الذّاتيّة أو العموميَّة، العاطفة المسيطرة على الأديب، ومدى صدقها وقوتّها ووضوحها على صعيد الألفاظ والمعاني والأخيلة والصّور والأساليب، الخصائص الفنيَّة والأسلوبيّة التي يتميّز بها الأديب، مصادر الموسيقا، استنباط الملامح الشخصيَّة للأديب بالنّظر إلى أسلوبه المتّبع، فالأسلوب –كما يُقال- هو الرّجل.
وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ دراسة الأعمال الأدبيَّة تستلزمُ -بالضّرورة- الالتزام بمعاييرَ منهجيّة تفرُض على الدّارس اعتماد وسائلَ نقديّة، وطرائقَ للتحليل تنسجم مع الرؤية التي يصدر منها الأديب.