بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد،
فإن الظن والشك مترادفان عند أهل اللغة، ولكن هناك من العلماء من فرق بينهما تفريقاً اصطلاحياً، ولا بد قبل التفريق بينهما من تبيين أقوال أهل اللغة في معنى كل منهما، وذلك حتى يسهل علينا التفريق الذي نحن بصدده.
لقد جاء في لسان العرب: « الظَّنُّ شك ويقين، إلا أنه ليس بيقينِ عِيانٍ، إنما يقينُ تَدَبُّرٍ، فأما يقين العِيان فلا يقال فيه إلا علم، وهو يكون اسماً ومصدراً، وجمع الظَّنِّ الذي هو الاسم: ظُنُون. » ، ويقول ابن فراس في معجمه: « (ظن) الظاء والنون أُصَيْل صحيح يدل على معنيين مختلفين: يقين وشك. » ، نستنتج من الكلام السابق أن الظن يأتي بمعنيان، وهما: اليقين والشك. فقد يقول قائل: ظننت كذا، أي أيقنت كذا، وقد يكون المقصد من كلامه: شككت بكذا. ويستطيع المستمع أو القارئ أن يحدد إحدى المعنيين من خلال سياق الكلام وسباقه، ومن خلال القرائن الموجودة في هذا الكلام. ومن الأمثلة على الظن الذي يأتي بمعنى اليقين قول الله تبارك وتعالى في حق عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46]. فقد بين المفسرون أن (الَّذِينَ يَظُنُّون) تعني: الذين يَتَيَقَّنُون لقاء ربهم يقيناً جازماً قاطعاً، فالظن هنا ليس بمعنى الشك.
وبالنسبة للشك، فقد قال ابن منظور صاحب معجم لسان العرب عند مادة (الشك): « الشَّكُّ: نقيض اليقين، وجمعه شُكُوك. » ، وقال ابن فراس صاحب معجم مقاييس اللغة: « (شك) الشين والكاف أصل واحدٌ مشتقٌّ بعصه من بعض، وهو يدل على التداخل. ومن ذلك قولهم شَكَكْتُه بالرُّمح، وذلك إذا طعنتَه فداخَل السنانُ جسمَه...، ومن هذا الباب الشكُّ، الذي هو خلافُ اليقين، إنما سُمِّيَ بذلك لأن الشَّاكَّ كأنه شُكَّ له الأمرانِ في مَشَكٍّ واحد، وهو لا يتيقن واحداً منهما. »
نستنتج مما سبق أن الشك هو خلاف اليقين، وأنه لا يمكن أن يحتمل معنى اليقين كالظن، فالظن إما أن يأتي بمعنى الشك الذي هو خلاف اليقين، وإما أن يكون بمعنى اليقين. فالظن مرادف للشك في أحد معنييه، ومناقض له في المعنى الآخر.
ولكن من العلماء من فرق تفريقاً دقيقاً بين الظن الذي قيل في أحد معانيه أنه خلاف اليقين، وبين الشك، حيث قالوا: الظن: هو الاحتمال الراجح من احتمالين يدور الشيء بينهما، حيث يكون راجحاً عند الشخص أن هذا الشيء هو كذا، ولكن هذا الترجيح ليس قاطعاً، حيث تبقى لديه احتمالية بكون ذلك الشيء على خلاف ما قد رجحه، وإذا قوي أكثر الاحتمال الذي رجحه سُمِّي هذا بـ (غلبة الظن)، وإذا تأكد وجزم بأن الاحتمال الذي رجحه هو الصحيح سُمِّيَ هذا بـ (اليقين). أما الشك، فهو استواء وتعادل كلا الاحتمالين في شيء ما عند الشخص، فلا يترجح عنده أيٌّ من هذين الاحتمالين.