مقدمة
مرّت الأمّة الإسلاميّة بكثير من المحطّات التاريخيّة التي تُسجّل بماء الذهب وتروى من الآباء للأبناء في قصّة حضارة عزَّ على العالم أن يأتي بمثلها لولا أنَّ الله جلّ جلاله أمدّها بالعون والتأييد من عنده على أيدي رجال بذلوا أرواحهم من أجل قيام الدين ورفعة شأنه ونشر رسالته التي تدعو إلى الخير والمحبّة والتعاون والتكافل.
ومن المحطّات التاريخيّة التي مرّت بها الأمّة الإسلاميّة هي محطّات الخلافة ومراحل الحُكم المُتعاقبة على هذهِ الأمّة، فقد كانت من إحدى هذهِ الأيام في تاريخ الدولة الإسلاميّة أن تولّى حُكمها العثمانيين، وكانت تُعدّ الدولة الإسلاميّة آنذاك من أقوى الدول وأكبرها رقعةً على مُستوى العالم، ولا يخفى علينا كم كانَ هذا الحُكم مصدراً للخير والرخاء على كافّة أرجاء الأمّة الإسلاميّة ورفعةً لذكرها وعُلوّاً لشأنها.
من هم العُثمانيون
كثيرٌ من الناس يخلط بين حاضرة العثمانيين وموطنهم في تركيا الحالي وبين أصولهم، فهم يظنّون أن أصول العثمانيين الأتراك تنحدر من تركيا المعروفة اليوم، ولكن العُثمانيين الأتراك هم من بلاد تركستان وهم ذو أصول مغولية من ذوي البشرة الصفراء إذا جازَ التعبير، وليسوا من بلاد الأناضول التركيّة وإنّما هُم هاجروا إليها فيما بعد.
وقد كان هؤلاء الاتراك من أشدّ المُقاتلين صلابةً وأكثرهم شدّةً في الحرب، ومنهم الفرسان الذين لا يُشقُّ لهم غُبار، وقد أُدخلت منهم قوّات كبيرة في الجيوش الإسلاميّة أيام الحكم الأموي والعباسيّ وتقلّدوا المناصب في الجيش وكانوا أحقَّ بها وأهلها.
ويرجع نسبة العثمانيين إلى جدّهم الأول المؤسس عُثمان آل طغرل وهو خليفة العُثمانيين الأول، والذي رزقَ الله الأمَةَ بولادته في السنة التي سقطت فيها بغداد حاضرة الخلافة الإسلاميّة على يد التتار، فلعلّ هذهِ إشارةٌ لطيفة بأنّ نهاية الخلافة كانت بولادة رجل يُحيي خلافةً جديدة.
وقد كانَ العُثمانيون أهلاً للحرب والفروسيّة، وكانَ لا يُشقُّ لهم غُبار، وقد خاضوا الحروب دِفاعاً عن الإسلام وأهله، وكانوا يُقارعون الحملات الصليبيّة التي يشنّها الحاقدون على الدين وأهله وكان موقعهم في القارّة الأوروبيّة يؤهلهم لحدّ الزحف على ديار المُسلمين.
ومن الحروب التي خاضتها الدولة العثمانيّة هي حروبهم مع الدول الأوروبيّة كإمبراطوريّة النمسا والبرتغال وكذلك الأسبان بالإضافة إلى محاربتها للروس في الشمال دِفاعاً عن المسلمين الشراكسة المُضطهدين مِن قِبل الروس، وكانت الخلافة العثمانيّة حاميةً لديار المُسلمين وأهلها.
ومن الدفاع عن العُثمانيين والإنصاف أن نَرُدّ كُلّ الأباطيل والشُبهات التي يُرددها الحاقدون عليها وبأنّها كانت يجب أن تكون خلافة بيد العرب بدلاً منهم، وهذا مما يتنافى مع الإسلام الذي لا يُفرّق بين العربيّ والأعجميّ، بل إنَّ كُلَّ الشُبهات التي أُثيرت على الخلافة العُثمانيّة مصدرها من الأوروبيين الذي ذاقوا من العُثمانيين الصلابة والشدّة في حماية حياض الإسلام.