تعد السنة النبوية ثاني مصدر من مصادر التشريع الإسلامي؛ فهي ما ورد عن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة أو صفة خَلقية أو خُلقية. وفي اللغة هي: الطريقة والتبين والتوضيح وابتداء الأمر.
والسيرة المحمدية نقلت إلينا بحذافيرها، وقد وصف أزواجه وأصحابه صفاته النبوية الخَلقية والخُلقية، ومواقفه مع الآخرين، فهي شاملة كاملة بكل جوانب الحياة؛ فإن أردت أن تعرف محمداً الأب ستجد السيرة تزخر بمواقفه النبوية الطاهرة، وإن أردت أن تعرف محمداً الزوج فستعرفه كما وصفته زوجاته - رضي الله عنهن-، فقد روت زوجه عائشة - رضي الله عنها - عنه الكثير من الأحاديث بدقة وشمول، فلا شيء يخفى عن حياته وسيرته، ومواقفه ومعاملاته وحتى أكله وشربه، وما يحب وما يكره؛ ليتسنى لنا اتباعه من بعده، والتمسك بسنته الشريفة. " ان هو الا وحي يوحى "؛ لذا وجب علينا اتباعه -عليه الصلاة والسلام- بأمر رباني: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، فمن رغب عن سنته فليس منه.
السنة النبوية تقسم إلى السنة القولية، وهي: كل ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم- ، ويجب التقيد بصحيحه، والبعد عن البدع وغيرها من الضلالات التي دسها اليهود والمضلون في سنته. وكذلك ورد عنه السنة الفعلية، وهي: ما فعله النبي - عليه السلام- كأداء الصلاة، والحج وغيرها من المناسك؛ فقد قال:" خذوا عني مناسككم" و"صلوا كما رأيتموني أصلي"؛ فالنبي- صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة الحسنة، والقدوة العملية للأحكام الربانية؛ فالسنة أتت مفصلة ومخصصة لعموم الأحكام الواردة في القرآن الكريم، وأتت مفسرة لما أشكل على الصحابة - رضوان الله عليهم- فهمه منه، وأتت مفصلة لمجمله قولاً وفعلاً، ومقيدة لمطلقه. أما بعض الأفعال والأحكام التي خُص بها النبي- عليه السلام- دون غيره، لا يجب على المسلم اتباعها، فهي خاصة به وحده؛ كالزواج بأكثر من أربع نساء، ووجوب تهجد الليل وغيره .
وكل ما رآه النبي- صلى الله عليه وسلم- وسكت عنه وأقره يعتبر سنة تقريرية، فقد أتى قريشاً ووجد فيها من الأخلاق والعادات الحسنة، فأقرها وحثّ عليها كالكرم، وإكرام الضيف وغيرها، فلم ينكرها عليهم بل حث عليها وأقرها.
أمّا الصفات الخَلقية، فهي مظهره وهيئته الشكلية في اللباس وغيره؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يطيل لحيته، ويقصر ثوبه فوق كعبيه، وهذه سنن يجب على المسلم اتباعها. وقد تأسى الصحابة الكرام به في أكثر من ذلك؛ في طريقة شربه وأكله وغيرها؛ لشدة حبهم له. أما خُلقه فلا يخفى على أحد أنه كان أحسن الناس خلقاً وتواضعاً، وزهداً وطاعة لله تعالى، وقد ضمت السنة النبوية مآثره وأخلاقه النبوية وشمائله النبيلة، وتعامله مع المسلمين وغيرهم، ورحمته بالإنسان والنبات والحيوان في الحرب والسلم. فها هي عائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما- تصف خلقه قائلة: " كان خلقه القرآن ".
إنّ انكار السنة المحمدية كفر، واتباعها واجب، وطاعته - صلى الله عليه وسلم- أمر من الله تعالى. وحتى نتمكن من اتباع السنة النبوية علينا دراستها بدقة والبحث في صحيحها، والإهتمام في نشرها والتمسك بها، وإظهار حجتها للمسلمين، لئلا نحيد عن الطريق المستقيم الذي أمرنا الله به .