التقوى في معجم المعاني الجامع من اتَّقى، أي كان ورعاً. والجل التقي هو الورع شديد الخشية من الله عزَّ وجل، وتقوى الله تكون بخشيته واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وتقوى الله اجتناب غضبه، والبُعد عن كل ما حرَّمه. ومن اتَّقى الله تقوَّي به، أي صار قوياً بالله وبشدة خشيته لله، والتقوى سبيل النعيم لمن اتقى كما قال سبحانه وتعالى (ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). فكانت التقوى هُنا أمراً أساسياً للخروج من المآزق؛ وسبيلاً للرزق من طرائق لا تخطر ببال الشخص.
التقوى هي المقياس الوحيد لتفاضل الناس بعضهم على بعض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إلاَّ بِالتَّقْوَى). وهذا المقياس يحمل في طيَّاته الكثير من الأمور التي تغيب عن أذهاننا، فليس المال ولا الجاه ولا كثرة الأولاد ولا غيها من المور الدنيوية هي مقياس التفاضل بين البشر، بل المقياس الوحيد هو التقوى، والرائع في هذا المقياس؛ هو أنه لا يمكن إدراكه ولا قياسه، فليس من المنطقي أن تقول إن فلاناً أتقى من فلان، لأن التقوى في القلب، ونحن بني البشر ليس لنا إلا الظاهر من الأمور، أما الأمور القلبية فهي من الغيبيات التي لا اطلاع لأحدٍ عليها سوى الخالق عزَّ وجل. فالله وحده مَن يعرف مَن أكثر تقأ ومَن احسن وأفضل مِن مَن.
والتَّقي هو من يكون ظاهره كباطنه، لا يعملُ عملاً في السرِّ يُنكِرُه في العلن، قد يُخفي أعمالاً صالحة لكنه لا يأتي بعملٍ شائن سِراً. وفي هذا قال الشاعر:
وإذا بحثت عن التـّـقـيّ وجدتـه *** رجلاً يُصدّق قوله بـِـفِـعـالِ
وإذا اتّــقـى اللهَ امـرؤٌ وأطاعـه *** فـيَـداه بين مكـارمٍ ومَعـالِ
وعلى التَّقـيِّ إذا ترسّـخ في التُّـقى *** تاجـان: تاج سكينة وجمـال
وإذا تناسبت الرجــال فمـــا أرى *** نسباً يكون كصالح الأعمــال
التقوى من مفاخر الرِّجال، وأمرٌ يُمتدحون به، لأنها أمرٌ عظيم الشأن، وقالوا في المثل الشعبي (لا تَخَفْ ممَن يخاف الله). لأن من يضع مخافة الله بين عينيه لا يمكن أن يرتكب أمراً سيئاً بحق أحدٍ من العباد. فلا يمكن أن يظلم أو يسرق أو يقتل، لأنه يعلم حق اليقين أن مثل هذه الأعمال ستغضِبُ الله سبحانه وتعالى؛ وبالتالي سيجتنبها اتقاء غضب الله.
والتقوى أيضاً العمل بما أنزل الله، باتباع واجباته والعمل بفرائضه، التقوى تكون بأداء حقوق الله من الطاعات الواجبات، من صلاة وصيام وزكاة إلى آخره من أوامره سبحانه، تقوى الله تكون بالتقرب منه لخوفنا منه. نحن البشر وكل المخلوقات على سطح الأرض، عندما نخاف من أحدٍ أو شخصٍ ما؛ فإننا نهرب منه اتقاءاً، إلا الله سبحانه وتعالى، فالسبيل الوحيد لاتقاء غضبه، هو الخوف منه والهرب إليه. كونوا كالطفل في ناحيتين، الأولى؛ إن خاف الطفل من أحد والديه أسرع جرياً إليه طلباً للأمان، وليس أولى بها من الله. والثانية، إذا أراد الطفل شيئاً؛ يظلُّ يبكي حتى يحصل عليها، وليس خيراً من الله أن تُذلَّ له وأنت تطلب ما تريد.