أنعم الله علينا بنعمة العقل، وما أعظمها من نعمة، ميّزنا الله بها عن سائر المخلوقات، هذه النعمة التي وجب علينا حفظها، وإستخدامها الإستخدام السليم الذي يليق بها، فالإنسان مميز بهذه النعمة ولذلك يجب أن يُحسن إستخدمها ويوظفها في الإتجاه السليم الذي خُلِقت لأجله، إلا وهي عمارة الأرض والتفكر في خلق الله.
فالعقل يجعلنا نفرق بين الخطأ والصواب، والتصرف الخاطئ والتصرف السليم، وبين النافع والضار، ونفكر ونتدبر لنعرف به ما نريده وما لا نريده، وعلى الإنسان إستغلاله إستغلالاً حسناً، ليؤتي ثماره التي تجعل حياته أفضل، ويعيش في نعيم، ومن يُهمله ولا يستخدمه فمثله مثل المخلوقات التي لا تمتلك هذه النعمة بل أضل منها.
واهتم الإسلام بالعقل، ودعى إلا إستغلاله في طرق ووسائل الحلال، وفي التفكر في خلق الله والكون، والآيات الدالة على وجود الخالق، يقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ(190)} - سورة آل عمران، وأولي الألباب هم أصحاب العقول. كما نهى عن كل عمل يؤذي العقل، ويسبب الإختلال فيه، فقد حرّم شرب الخمر والمُسكرات التي تضيع العقل.
والعقل كالجسم يحتاج إلى غذاء ليقوى على تأدية المهام الموكلة إليه، فكما أن الطعام غذاء الجسد، فإن العِلم غذاء العقل، فكلما زاد العلم بالأشياء وزادت المعرفة لدى الإنسان، كلما استغل العقل وقدراته، ووسع نطاق التفكير والإبداع لديه، فالعقل مركز الإبداع، ومخزن كبير جداً يستطيع أن يشمل كمية معلومات ضخمة، لكن يجب إتباع طريقة تخزين صحيحة، فإن هذا العقل يحتاج إلى حُسن معاملة، ليعطي النتائج المطلوبة بشكلها الصحيح، لذلك اهتم الإسلام بالعلم والتعلم الذي يؤدي إلى زيادة الكفاءة للعقل.
كما أن أصحاب العقول يتميزون فيما بينهم ويتنافسون على درجات العلم، فكلما استغل الإنسان عقله بالشكل السليم، ارتفع درجة في العلم والفكر عن غيره، حتى يصل إلى درجة الحكيم نسبة إلى الحكمة التي أوتيها، وهذه الدرجات تكون بإعانة الله عز وجل للوصول إليها، قال تعالى في محكم تنزيله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ? وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ? وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} - سُورة البقرة.
جعل الله العقل للدين عماداً، به تستقيم الحياة، وتعيش به حياة هادئة، حياة فيها سعادة وسلامة، تأخذ ما لك وتترك ما ليس لك، تبني علاقاتك بوضوح، تتفكر فيما حولك، تنتبه لأفعالك وتصرفاتك وتُحكِّم عقلك فيها، توظفه في الحلال، والكسب الحلال، وبناء العلاقات الحلال، وتستعمله في الدنيا، لتنجو به في الآخرة، فالعمل لا يكون للدنيا وإنما للآخرة.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله". فالحمدلله الذي من علينا بهذه النعمة العظيمة، وواجبنا نحوها ونحو جميع النعم، أن نحمد الله ونشكره عليها وأن نحافظ عليها، لأنها أمانة سنُسأل عنها يوم الحساب، فالإنسان ليس مخلوقاً ليمر مرور الكرام على هذه الدنيا، وإنما ليعمر فيها ويعمل فيها من أجل الله عز وجل وإرضائه.