تعرّضت الدّعوة الإسلاميّة و الرّسالة المحمّديّة إلى كثيرٍ من الأذى من كفّار قريشٍ و صناديدها ، وقد صمد النّبي صلّى الله عليه و سلّم و من آمن معه في وجه العدوان و الافتراء و التكذيب حتى منّ الله عليهم بالفرج من بعد الشّدّة ، و التّمكين من بعد التّشتّت و الضّعف ، و قد حمل راية الدّعوة الإسلاميّة في بداياتها رجالٌ صدقوا عهدهم مع الله ، و اصروا على الثّبات في وجه كفّار قريش ، و قد تمنّى النّبي صلّى الله عليه و سلّم في ذروة الإعتداءات و التّضييق عليهم أن يؤيّده الله برجلٍ قويٍّ يعطي إسلامه المؤمنين دفعةً قويّةً ، و يشحذ هممهم للصّمود ، و كما تمنّى لوط عليه السّلام ما هى اسباب القوّة على قومه حين قال ( لو أنّ لي بكم قوةً أو آوي إلى ركنٍ شديد ) ، فقد تمنّى النّبي عليه الصّلاة و السّلام ما هى اسباب القوّة و التّمكين ، فدعا ربّه اللهم أيّد هذا الدّين بأحد العمرين ، عمرو بن هشام و هو أبو جهل أو عمر بن الخطاب ، و قد شاء الله سبحانه أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من يؤيّد هذا الدّين بإسلامه حتّى قال بعض الصّحابة ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر ، و بقي عمرو بن هشام المكنّى أبو جهل كافراً حارب الإسلام و المسلمين حتّى آخر حياته ، و قد مات في غزوة بدرٍ التي انتصر فيها المسلمون ، فكيف قتل أبو جهل ؟ .
روى سيّدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنّه كان في غزوة بدر ينظر في النّاس فإذا به يرى غلامين يقتربان منه و هما معاذ و معوذ ابنا عفراء ، و قد اقترب كلّ واحدٍ منهما منه و سأله عن أبي جهل ، و قد بيّت كلّ منهما النّية على قتله بعد أن سمعاه يسبّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم ، و عندما رأى سيّدنا عبد الرحمن بن عوف أبو جهل أشار إليه و دلّهما عليه ، فانطلقا بسرعة الرّيح نحوه و استلا سيفهما و قتلاه ، ثمّ أتيا النّبي الكريم و أخبراه عن ذلك ، و سألهما أيّكما قتله ؟ ، قال كلّ منهما أنا قتلته ، حتّى نظر في سيفيهما و أيقن أنّ كلاهما قتله ، فيا ليت شباب الأمّة يقتدون بهؤلاء الأبطال .