الحياة الدّنيا حياة قصيرة زائلة ، كلّ من عليها فان ويبقى الله عزّ وجلّ سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت ن وهذه الدنيا هي محطّة للآخرة ، وهي مزرعة للآخرة ، وكما قيل اللهم إنَّ لكلّ دارِ بنون فاجعلنا من بنين الآخرة ولا تجعلنا من بنين الدنيا ، فالدنيا يأخذ المؤمن حاجته منها قدَرَ ما يسمح به الشرع ، ولا يتجاوز فيها ما أمره الله به ، الدنيا لها نصيب من وقت المؤمن ، وعليه أن يُعمّرها ، ولكنّ ليس لها نصيب الأسد من حياته ووقته وجهده.
كثيرٌ من الناس يجعلُ همّهُ الدُّنيا ، ويقلقُ بشأنها ، وربّما كثيرٌ من الناس أصابته أمراض الجلطة القلبيّة أو ارتفاع ضغط الدم ، أو الانهيارات العصبيّة ، أو التوتر وأمراض النفس المزمنة بسبب أنّه جعلَ الدنيا كلّ همِّه ، وجلَّ اهتمامه ،فإذا فقدَ شيئا من متاعها تراه انقلب على نفسه مجنوناً صاخباً صارخاً وهذا يعكس إيمانه بأنها دار الخلود والبقاء ، ونَسيَ أنّ الله كتّب عليها وعلى أهلها الفناء والموت ، وعلى كلّ شيء في الكون الزوال ، بل وحتّى الدمار ، فإنّ الله سبحانه وتعالى يَصِف لنا في القرآن الكريم مشاهد اليوم الآخر بأنّها مشاهد إنكفاء الكون على نفسه ، وانهيار النجوم والكواكب والسماوات والأرض ، وبأن كلّ ما في الأرض والسماء سيتبدّل ويتغَيّر ، فلا شيء سيدوم ، لذا فعلى المسلم إذا تفكّر في كلّ هذه الأمور أن يجعل الآخرة فقط هي همّه، ويسخّر الدنيا لتكون مزرعة للآخرة ، يزرع فيها الخير ليحصد ثمار الجنّة ، وبهذه العقليّة والتفكير بزوال الدنيا كان همّ الإنسان المؤمن الأوّل والأخير هو الآخرة.
والآخرة هي دار الجزاء الاوفى ، وتكون هي همّك حين تتذكّر أن ّ العدل والإنصاف فيها ، فإذا ظلمَكَ قُضاة الأرض الجبابرة ، وقهروك في عيشكَ وبَغَوا عليك ، فعندها سيزول همّك في الدنيا لأنّك قادم على يوم آخر ، يوم الحساب الأوفى ، وستكون بين يدّي ربّك الذي لا يظلِم مثقالَ ذرّةٍ ولا أصغر من ذلك جلّ جلاله. وعندما تجعل الآخرة همّك حين تتفكّر بمصير الحياة ، وتنظر في الأمم التي كانت قبلنا ، وكيف بادت ، يزداد اقبالك على الآخرة ، وتعلَم يقيناً أنَّ هذهِ الحياة هي محطّة عابرة لا بُدَّ وأن نجتازها إلى الآخرة ، ويزداد لديك أنّ الآخرة هي همّك عندما تتفكّر بأنها دار الخلود ، لإنّ الخلود هو المطلب لدى الجميع ، فحاول أن تجعل خلودك بإذن الله تعالى في الجنّة ، وعليك أن تسأل الله عزّ وجلّ ذلك لأنه برحمته سبحانه وتعالى.