إنّ زكاة المال هي فرض فرضه الله سبحانه وتعالى على جميع المسلمين، كما أنّها أحد الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام، والتي لا يكون الإسلام صحيحاً إذا اختل أحدها. كما أنّ للزكاة سبباً في إحداث حالة من التّكافل الاجتماعيّ بين النّاس، حيث أنّ الفقير يشعر بمدى رحمة الغنيّ، عليه فلا يحسده على تعرف ما هو عليه، وأنّ الغنيّ يشعر بمدى فعاسة هذا الفقير، فيشكر الله ويحمده على ما رزقه من النّعيم، ويساعد غيره بما منحه الله من خيرات .
طريقة إخراج زكاة المال
إنّ الزّكاة في المال تجب في حال بلغ المال النّصاب، وحال عليه الحول، والنّصاب من الذّهب يساوي 85 جراماً، ومن الفضّة 595 جراماً، فمتى ما بلغت العملة النّقدية قيمة النّصاب أخر منها ربع العشر، أي ما يساوي 2.5%، وتحديد نصاب العملات المحليّة يكون من خلال النّظر إلى قيمتها بالذّهب والفضّة، فمتى ما بلغت النّصاب بأحدهما وجبت فيها الزّكاة، وإذا لم تبلغه بأيّ منهما فلا زكاة عليها. (1)
كما أنّ الزّكاة تجب في عين المال، ولها تعلق بالذّمة، ومثال ذلك الذّهب، والفضّة، والإبل، والبقر، والغنمالسّائمة، والثّمار، والحبوب، وذلك خلافاً لعروض التجارة التي تجب في ذمّة المزكّي، ومعنى أنّ الزّكاة تجب في عين المال أي أنّه يجب إخراج الزّكاة من نفس المال؛ ولكنّ لذلك تعلقاً بالذمّة، فلو أنّ المال تلف بعد أن وجبت فيه الزّكاة، وهذا المال مسقرّ في ملكه، فإنّ تلفه لا يسقط عنه الزّكاة، وبالتالي أصبح ديناً في ذمّة المسلم، لأنّه وجب عليه إخراج الزّكاة حال إتمام المال للحول. (2)
شروط الزكاة
وهناك عدّة شروط يجب أن تتوفّر حتى تجب الزّكاة على المسلم، وهي: (2)
- الإسلام: فإنّ الزّكاة لا تؤخذ من كافر ولا قبول لها منه، لأنّ الزّكاة فرع من فروع الإسلام، قال سبحانه وتعالى:" وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ "، التوبة/54. والدّليل على هذا قول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن:" إنّك تأتي قوماً من أهل الكتاب: فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ... "، متفق عليه.
- الحريّة: وذلك أنّ الزّكاة لا تجب على الرّقيق، أي العبد المملوك، لأنّ المال الذي بيده هو في الأصل لسيّده، وذلك لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبَّر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع "، متفق عليه. وإنّ الزّكاة كذلك لا تجب على مكاتب، وذلك لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم "، رواه أبو داوود.
- ملك النّصاب: وذلك لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقة، ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقة "، متفق عليه. ففي حال ملك المسلم النّصاب اعتبر من الأغنياء، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن:" ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ..."، متفق عليه، وإنّ ملك النّصاب يختلف حسب اختلاف نوع الأموال.
- استقرار الملك: حيث أنّه يجب أن يكون مالك الشيء يملكه مستقرّاً، وأن لا يتعلق به حقّ لغيره، بحيث يكون له كامل حريّة التّصرف فيه، فلا زكاة تجب على السّيد في دين الكتابة، وذلك لعدم استقراره، ولنقصان الملك فيه.
فوائد الزكاة
تعدّ الزّكاة فرضاً من فروض الإسلام، وركن مهمّ من أركانه بعد الشّهادتين والصّلاة، وقد وردت أدلة وجوبها في القرآن الكريم وسنّة النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وإجماع المسلمين، ومن ينكرها فقد ارتد عن الإسلام، وهو يستتاب، فإن تاب وإلا فإنّه يقتل، قال تعالى:" وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَتِ وَالاَْرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "، آل عمران/180.
وقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" مَن آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة شجاع أقرع، له زَبيبتان يُطوقه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ يقول: أنا مَالُكَ أنا كنزُك "، رواه البخاري، والشّجاع هو ذكر الحيّات، والأقرع أي الذي تمعط فروة رأسه لكثرة سُمِّه. قال تعالى:" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ "، التوبة/34-35.
وورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبهُ وجبينه وظهرهُ كلما بردت أُعيدت في يوم كان مقدارهُ خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد "، رواه مسلم. (3)
من لا يصح دفع الزكاة لهم
هناك أصناف من النّاس لا يصح دفع الزكاة لهم، ومنهم: (4)
- الكفار ما عدا المؤلفة قلوبهم، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن:" ... فأعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم ... "، وبذلك خصّهم النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بأن يصرفوها إلى فقرائهم، كما خصّهم بأنّها تجب على أغنيائهم، والمراد هنا هم أغنياء المسلمين، وفقرائهم.
- آل النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهؤلاء هم بنو هاشم، وذلك لحديث عبدالمطلب بن ربيعة وفيه:" ... إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّتعرف على ما هى أوساخ النّاس "، رواه مسلم.
- موالي بني هاشم، فكما حرّم الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - إعطاء الصّدقة لبني هاشم، فقد حرّم كذلك إعطاءها لمواليهم، والموالي هم الأرقّاء الذين أعتقهم بنو هاشم، فعن أبي رافع رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بعث رجلاً على الصّدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع:" اصحبني؛ فإنّك تصيب منها، قال: حتى آتي النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - فأسأله، فأتاه، فسأله؟ فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنّا لا تحلّ لنا الصّدقة "، رواه أبو داوود.
- المملوك، فإنّه لا يصحّ إعطاؤه الزّكاة، لأنّ ما يعطى له فهو ملك لسيدّه، فكأنّ الذي يدفع الزّكاة قد دفعها إلى السّيد؛ وكذلك لأنّ العبد تجب نفقته على السّيد، فهو يكون غنيّاً بغناه.
- الأغنياء بمالٍ أو بكسب، وذلك لحديث عبدالله بن الخير، وفيه:" ... ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب "، رواه الإمام أحمد، وكذلك لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال:" لا تحلّ الصدقة لغني، ولا لذي مرّة سوي "، رواه أبو داوود.
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 262531/ نصاب زكاة المال/24-7-2014/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/islamweb.net
(2) بتصرّف عن كتاب منزلة الزكاة في الإسلام/ د. سعيد بن علي القحطاني/ مطبعة سفير- الرياض/ الجزء الأول.
(3) بتصرّف عن كتاب فصول في الصيام والتراويح والزكاة/ محمد بن صالح العثيمين/ الجزء الأول. (4) بتصرّف عن كتاب مصارف الزكاة في الإسلام/ د. سعيد بن علي القحطاني/ مطبعة السفير- الرياض/ الجزء الأول.