إنّ من أسمى السّلوكيّات الإنسانيّة سلوك التّضحية النّبيل ، و قد عرف الإنسان معاني التّضحية المختلفة منذ القدم و عبّر عنها بصورٍ مختلفةٍ ، و إنّ الباعث على التّضحية هو الحبّ الذي يسكن في النّفوس و ينزرع فيها ، باعثاً عطره في نفوس النّاس أشكالاً مختلفة من التّضحية و الفداء ، فالتّضحية هي معنىً سامٍ لا يليق إلا بأصحاب النّفوس الطّاهرة الرّفيعة الأخلاق ، فالنّفس المضحّية تتطلب وقوداً لها يشحذها دائماً ، و يجعلها مستعدّة للانطلاق ، و وقود التّضحية هو الحبّ الذي يسكن جنبات النّفس ، فالذي تمتلئ نفسه بالكراهية و البغض و الحسد هو إنسانٌ غير قادرٍ على التّضحية ، فتعرف على ما هى صور التّضحية و أشكالها ، و ما روي من قصص التّضحية ؟ .
إنّ من أروع أشكال التّضحية التي نشهدها في حياتنا ، تضحية الأمّ لأبنائها ، فهي تبذل الغالي و النّفيس من أجل أولادها و توفير متطلبات الرّاحة و السّكينة لهم ، و هي تحرم نفسها أحياناً كثيرةً لتعطي أبناءها فتؤثرهم على نفسها ، و كثيرٌ من الأمّهات يضربون أروع المثل في التّضحية ، و يتوقّون عن أبنائهم الأذى ، و كم قرأنا قصصاً عن أمهاتٍ فقدن عقولهم لفقدان أبنائهم ، فقلب الأمّ معلقٌ بقلوب أبنائها ، بل إنّ قلب الأمّ يحوي قلوب الأبناء فإذا ذهبت تلك القلوب أو ماتت أصبح فؤاد الأمّ فارغاً ، قال تعالى ( فأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً ، إن كادت لتبدي به ، لولا أن ربطنا على قبلها لتكون من المؤمنين ) .
و من صور التّضحية و الفداء ما فعله سيّدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حيث حمله حبّه لنبي الله عليه الصّلاة و السّلام ، و حبّه لدينه أن افتدى رسول الله حين هاجر و نام في فراشه ، فكان معرضاً للقتل من قبل كفّار قريش حين اجتمعوا على قتل النّبي ، و قد نجّاه الله بفضل تضحيته و فداءه ، و قد كان أوّل فدائيٍّ في الإسلام ، و قد افتدى الصّحابة رسول الله في معركة أحد حيث اشتد الأمر بالمسلمين ، و قد ضحّت السيّدة خديجة بنت خويلد من أجل رسول الله و آمنت بدعوته و وقفت معه حين حاربه النّاس و صدّقته حين كذّبه الناس ، فخلد النّبي ذكراها حتى بعد مماتها .