جعل الله للبشر بابًا مفتوحًا لطلب الحاجة منه دائمًا وطلب المعونة والغوث في حال الرخاء أو الشدة، فهو ربهم الخالق لهم، وهذا الباب الذي لا يغلق أبدًا، والذي قال الله عنه أنّه باب للمحبين والمحتاجين على حدٍ سواء، فالدعاء في ديننا الإسلامي هو من الأمور المستحب فعلها دائمًا، فهي تدلل على العبد وتجعله في باب الرجاء لله والخوف منه سبحانه، فقد قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإنّي قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، فهذه رسالة واضحة من الله أنّ العبد يستطيع التوجه إليه بالدعاء في أيّ وقت ومن غير واسطة بينه وبين الله.
فالدعاء من الأمور المباحة في ديننا الإسلامي، وممّا يعرف في الدين أنّ الدعاء ليس له وضعية محددة معلومة، فيستطيع الإنسان الدعاء وهو واقف أو قاعد أو نائم على أيّ جنب أراد، فتلك العلاقة بينه وبين الله لا يربطها شكل دنيوي محدد، يضع الرابط له لكي يتصل مع الله عن طريقة، ولذلك قال بعض العلماء بأنّ الدعاء يكون برفع سبابة اليد إلى الأعلى والدعاء، ومنهم من قال برفع الكفين، ومنهم من قال يجوز الدعاء بغير هذا ولا ذاك، ولم يرد أيّ أمرٍ من الأمور في الدعاء والتوجه إلى الله، ولذلك كان الدعاء وسيلة جميلة من وسائل الطلب والاعتذار والرجاء إلى الله في أيّ وقتٍ وأيّ حالٍ من عباده المؤمنين على الأرض.
وممّا يبحث أحيانًا في حكمه من الناس هو حكم المسح على الوجه بعد الدعاء، فيقول بعضهم بأنّه بدعة، ومنهم من يقول بأنّه سنة، واختلاف الأحكام في هذا لهو إجرام في أحقية الدعاء، فلا بأس لو مسحت ولا بأس إن لم تفعل، فالأمر عائد للشخص وعادته لا أكثر؛ لأنّ الدعاء من الأمور التي لا يحاسب عليها الإنسان لو ترك الدعاء من أصله، فكيف لنا أن نقف على الناس في حكم ونحرضهم على فعل ليس من الواجبات حتّى، فكان من باب التنزه عن الأفعال والأقوال التي تسبب للكثيرين الاضطراب في الدين والتشتت بشكل كامل هو الابتعاد عن الوسواس الذي يفعل الشيطان بأن هذا الفعل حلال وهذا حرام؛ ممّا يجعل عددًا كبيرًا من الناس الابتعاد عن الفعل وأصله بسبب هذه الظنون التي تذهب بالخشوع والإيمان والاستقامة على دين الله، فنتجاوز بدورنا الأفعال التي نرى فيها أنّها من باب العادات للناس، فنترك للناس عاداتهم وما ألّفوه، ونحرضهم على أصول الأفعال بأن يذكروا الله ويدعوه في كل وضعيات حياتهم وهو نائم على ظهره أو جنبه، ويذكروه وهم قاعدين، ويذكروه وقوفًا وفي جميع أحوال حياتهم، فيبقى الدعاء واصلًا رابطًا بين العبد وربّه، ويكون قلب العبد قلبًا خاشعًا متواضعًا لله محتاجًا له على الدوام، وليكن ممّا أتى معه من الأفعال الصالحة فيما بعد ما شاء كلّ فرد منّا وما استطاع في ذلك سبيلا.