أصل الخلاف بين البشر
لا يتصور بحالٍ من الأحوال أن تكون طباع النّاس ونفوسهم متّفقة؛ بل ولا يتصوّر أن تكون آراء النّاس في المسائل المختلفة واحدة، فالله سبحانه وتعالى وحينما خلق النّاس فقد ركّب في نفوسهم عنصر الاختلاف والتنوّع، قال تعالى ( ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم )، فالاختلاف إذن هو من جبلة النّفس الإنسانيّة وحقيقتها .
الاختلاف في الفتاوي
إنّ من مظاهر الاختلاف والتنوّع الإنساني الاختلاف في الفتاوي وهي الآراء الفقهيّة التي يطلقها العلماء وأهل الذّكر في المسائل التي تواجه النّاس في حياتهم وتعاملاتهم وتكون تلك الفتاوى هي المرجع الذي يحسم الخلاف، وتكون البوصلة والمرشد للحيارى من النّاس ومن ينشد الحكم الفقهي السّليم القويم والمنهج الصّحيح غير السّقيم .
موقف العلماء بالنسبة للفتاوي
يواجه كثيرٌ من المسلمين في وقتنا المعاصر وفي ظلّ المتغيّرات التي شهدتها حياتنا كثير من المستجدّات التي تتطلّب رأي الشّرع الحكيم فيها، فالنّاس قديمًا لم يعرفوا أشكالًا كثيرة من المعاملات والمسائل مثل معالجة العقم بأساليب حديثة ورأي الشّرع فيها، ومسألة الاستنساخ وغير ذلك، وبالتّالي على العلماء أن يواكبوا تلك المستجدّات من خلال دراسة تلك الحالات والمسائل دراسة عميقة حتّى يتمكّنوا من إبداء الرّأي الشّرعي فيها وبما يلبي حاجة المسلمين إلى ذلك .
موقف المسلمين من اختلاف الفتوى
يتعرّض عوام النّاس أحيانًا إلى حيرةٍ شديدة حينما يسمعون أكثر من فتوى تتعارض مع بعضها في مسألة معيّنة، فترى عالمًا يُحرّم ارتكاب عملٍ من الأعمال وآخر يبيحه مثل مسألة التّعامل مع البنوك الرّبويّة وجواز أخذ الفائدة من عدمها، وترى المسلم يقول في نفسه أيّ فتوى سوف اتبع، وتعرف ما هو الطّريق الصّحيح في ذلك الذي يُحقّق للمسلم النّجاة في هذه الحياة الدّنيا ونيل رضا الله سبحانه، والحقيقة أنّ على عوام المسلمين أن ينظروا عمّن يأخذوا دينهم ابتداء؛ فالعالم التّقي الذي يخاف الله سبحانه وتعالى ويعرف عنه الصّلاح غالبًا ما يتحرّى الرّأي الفقهي بنيّةٍ صادقةٍ بعيدًا عن الهوى والمصلحة، كما أنّ على المسلم أن يجتنب العلماء الذي يكونون في مجالس الحكام؛ ففي الأثر من وقف على أبواب السلطان افتتن، كما أنّ على المسلم أن يستفتي قلبه حينما يشعر بالتّردد والحيرة في اختيار أحد الآراء الفقهيّة، فالقلب الصّادق لا يكذب المرء، كما أنّ على المسلم أن يحرص على أن لا يكون منهجه في اختيار الفتوى مبنيّ على الفتوى الأسهل والأيسر بل ينظر في مدى موافقتها للحقّ من عدم ذلك .