الاختلاف بين البشر
كان البشر منذ أن خلقهم الله تعالى أجناساً متنوّعة في أعراقهم وأصولهم، قال تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا إنّا خلقنكم من ذكرٍ وأنثى وجعلنكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إنّ الله عليم خبير"، وقد نشأ نتيجة هذا التّنوّع اختلاف بين النّاس، فكلّ أمّة من الأمم تسكن بقعة جغرافيّة معيّنة وتجمع أفرادها سمات وخصائص وقواسم مشتركة، وإنّ هذا التّنوّع والاختلاف أثرى الحياة الإنسانية بشكل كبير، فترى كلّ أمّة من الأمم تسعى للتّعرف على الأخرى والاستفادة من ميراثها وتجربتها الإنسانيّة، كما تتبادل الأمم المعارف والعلوم والحكم فيما بينها وتتعلّم كلّ تعرف ما هو جديد ونافع وتسخّره لصالحها.
التعامل مع الاختلاف
أكّد القرآن الكريم على مسألة الاختلاف بين النّاس في السّعي والهدف والفكر، قال تعالى: "ولو شاء الله لجعل النّاس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم"، كما قال عزّ وجل "إنّ سعيكم لشتّى"، فالاختلاف حالة صحيّة تثري الحياة الإنسانيّة وينبغي التّعامل معها بأساليب ومنهج حكيم حتّى لا يتحوّل الاختلاف إلى تصادم وتناحر وهنا تكمن المشكلة، وحتّى نتعامل بحكمة مع الاختلاف علينا مراعاة ما يلي:
- أن يكون الاختلاف بين النّاس وفق آداب الحوار والنّقاش حتّى لا يتحوّل إلى خلاف، فالمختلفون في أفكارهم وأهدافهم ومعتقداتهم تراهم على الدّوام يتمسّكون بنهج الحوار أسلوباً لتبادل ما عندهم وما يختلج في نفوسهم، وإنّ هذا الأسلوب هو الضّمانة الوحيدة لعدم انحراف بوصلة الاختلاف إلى نقطة الخلاف والتّصادم.
- أن لا يتكبّر الإنسان على مخالفيه فيرفض كل ما لديهم من أفكار ومعتقدات، فعلى الإنسان أن يدرك حقيقة أنّ رأيه قد يكون صواباً يحتمل الخطأ كما قد يكون رأي مخالفه خطأ في نظره قد يحتمل الصّواب، وإنّ النّقاش والاستماع إلى الآخر هو وحده الكفيل بإدراك الحقّ والصّواب حين يقدّم كلّ واحدٍ أدلته ويعرض منطقه، كما ينبغي على الإنسان أن يدرك أنّ الحكمة هي ضالة المؤمن أبداً وأنّه أحقّ النّاس بها، وبالتّالي عليه أن يستمع للآخرين ولو كانوا مختلفين عنه في الفكر لعلّ الحقّ يكون عندهم.
- الاستفادة من الاختلاف والتّنوع بين النّاس في تكوين فكرٍ جديد يجمع تلك الأفكار كلّها، فقد يقدّم كلّ إنسان فكرة معيّنة مختلفة عن الآخر ويقدّم غيره فكرة أخرى ليتمّ بعدها عرض تلك الأفكار ومزجها مع بعضها البعض لتكوين فكرة إبداعيّة جديدة، ولعلّ العصف الذّهني هو من وسائل تسخير الأفكار المختلفة في سبيل الوصول إلى هدفٍ معين ونقطة مشتركة.