التشهد الأول
الصلاةة عبوديةٌ للهِ عَز وَجَلْ يَتَقَرَبُ بِها العبدُ إلى ربه، فمن هداهُ اللهُ إليها، أُوتي فضلاً عظيماً، ولتحقيق الهداية في عبودية لابد من تعلم تلك العبودية ومعرفة قصدها وإرادتها، ومما ورد في الصلاة دعاء التشهد الأول (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النبي وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ).
والعبد حينَ يدعو بالتحيات في صلاته، يكونُ جالساً بهيئةِ الذليلِ، المُنْكَسر بين يدي ربه، إشارةً إلى تعظيم من هو بين يديه سبحانه، فهي جلسةُ إعترافٍ المذنب أمام ربه ليستغفره، فلا بدّ له من تعظيم مليكه فيه، ليَنظُر إليه بعين الرحمة والمغفرة، ولأهمية وفائدة هذا الدعاء فقد علمهُ النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته كما يُحَفِظَهُم سورة من القران.
بيان معاني كلمات وعبارات التشهد الأول"
التحياتُ هي ما يُلقى على المُلوكِ من تحيةٍ وتعظيمٍ ودعاءٍ لهم، وانكساراً أمامهم، فهي مشتقة من الحياة، فهذه ا التحيات لا تكون إلا لملك الملوك، وحده فهو المستحق لها بجمال الكمال سبحانه، وقد عُطفَت عليها الصلوات، وهي لفظٌ عامٌ جامعٌ لكل صلاة، ويُقصدُ بها الدعاء، و الذي من أشكاله الصلاةالمفروضة والنوافل، فهي لا تكون إلا لله وحده، فقد جاءت بعد التحيات، لبيان أن صاحب التحيات هو الذي يستحق الصلوات، وقد جاء هذا البيان في سورة الفاتحة حين بُدِأَتْ بالحمد والثناء على الله، من قوله تعالى، الحمد لله رب العالمين إلى قوله تعالى، مالك يوم الدين، فقالبعدها إياك نعبدُ، فبذلك تكون التحيات لله استحقاقا، والصلوات عبودية ليست إلا له، وهي من معنى لا إله إلا الله، كما عُطِفَ عليها أيضاً والطيبات، وهي نَعتٌ للمضاف إليه، لكمال الموصوف، فالله سبحانه وتعالى طيبٌ، لا يقبل إلا طيب، وهو الذي يصعدُ إليه الكلمُ الطيب، فلا يُضافُ إليه إلا طَيِب.
أما قول "السلام عليك أيها النبي"، فهو تعظيم ما بعده تعظيم، ومنزلة ما بعدها منزلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء الخطاب بالسلام عليك، مع جواز القول سلام عليك، ولكن جاء استخدام المَصْدَرِ من سلم، مع إدخال الالف ولام الإستغراق عليه ليفيد بذلك المبالغة بالسلام عليه، وكيف لا، وهو أعبَدُ عبادِ الله لله وأتقاهم له، فمن بلغَ بهذا المنزلة، بلغ المنزل ووصل، فالسلامُ هنا دعاءٌ لله بأحد أسماءه، وهو السلام لسلامة النبي من كل ما يسيئه ويؤذيه، وينقص من قدره، فهي تعويذة لتحصينه صلى الله عليه وسلم، باسم ربه السلام.
وتأتي التحية لعباد الله الصالحين، وهم من بعد رسول الله عليه السلام، بقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد شَمَلَنَا الدعاء للنبي بالدعاء لنا، فهي دعوةٌ تصل كل عبد صالح لله في السموات والأرض، كما الحال في الصلاة على النبي، فمن صلى عليه صلاةً واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً، ويتبعه الشهادتين بتوحيد الله بالعبودية، وبتوحيد رسوله بالإتباع، فكل ما سلف ذكره، جاء مؤكدا لهذا الإعتراف لله عز وجل، ولنبيه صلى الله عليه وسلم.