العقل والقلب
خلق الله الإنسان وميّزه بهذا العقل الذي به يدرك حقائق الأشياء ويوازن بين الخير والشر والحق والباطل، وبهذا العقل ميّز الله الإنسان عن غيره من الكائنات بأن جعله عاقلاً يفكّر ويفهم ما يحدث حوله، ومع أهميّة العقل تلك فإنّ الله أنعم على الإنسان أيضاً بنعمة القلب الذي بدونه العقل كتلة جامدة؛ لأنّ القلب هو مصدر المشاعر والأحاسيس التي يحاول الإنسان جاهداً بأن يوازن بينهما فلا يطغى جانب على جانب، وهكذا يكون هذا الإنسان قد حقق تكيفه مع الأشياء بالصورة الصحيحة السليمة.
الفرق بين العقل والقلب
العقل
إنّ الفروق بين العقل والقلب كثيرة وواضحة، فكما ذكرت فالعقل هو أداة الإنسان التي بها يعقل ويدرك، وهو القوة التي تساعده على أن يميز ويستنبط العلاقات والترابطات وأسلوب حلّ المشكلات بصورة سريعة ودقيقة، كذلك إدراك أوجه الشبه والاختلاف بين الظواهر المختلفة، أضف لذلك الطلاقة اللغويّة والأساليب المبتكرة والاختراعات كل ذلك وأكثر ،وقادر أيضاً على فهم ما يجري وما يحدث من حوله دون مساعدة من أحد، وكلّما كان الإنسان أكثر قدرة على ذلك كان مستوى ذكائه وقدرته العقلية أعلى وأكبر، ولذلك نجد بأنّ العباقرة ميّزوا بما تفضّل الله عليهم من قدرة عقلية عالية تساعدهم وتمكّنهم من استخدامها بسهولة وفي كافّة الاتجاهات، كذلك نجد من يتّصفون بقدرات قليلة فيعجزون عن رؤية العالم من وجهة نظر الآخرين، ولذك أيضاً كلّه نجد بأنّ المرء إذا ذهب عقله فإنّه يرفع عنه التكليف، وهنا تكمن أهميّة العقل فهو القدرة التي تساعدنا على أن نكون أكثر إبداعاً وتميّزاً وأكثر نجاحاً وخبرة، ومع هذا فقد وجد العلماء أنّ الإنسان لا يستخدم من قدرته هذه سوى 10% وأنّه لو استخدم 50% منها لتحوّل الكون إلى جنّة، كما أنّه وبالعقل وصل الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى فمن رأى الكون وما فيه من سماوات وأرض سيقوده ذلك إلى ربه وكما قال آينشتاين: "من يتفكّر بالكون يدرك بأن الخالق لا يلعب بالنرد" ولأجل ذلك كلّه كان العلماء أكثر الناس معرفة بربهم بعد الأنبياء.
القلب
القلب هو الأداة التي بها نحسّ ونشعر، فهي التي من خلالها نستشعر إنسانيتنا ونحسّها، وقد سمّي بالقلب لما له من تقلّب وعدم بقائه على شيء معيّن، فهو ما بين ذلك وذاك كما تجري به الأمور والمواقف، لهذا كلّه كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر في سجوده من قراءة :"اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك" نظراً لتقلبه كما أسلفت، وممّا ذكر عن القلب ما روي عن الرسول بأنّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما شاء، ولولا القلب ما شعرنا بمتعة الحياة فهو الذي به نحب ونكره وهذا الوجود الذي بني على الجمال والكمال وبديع الصنعة وما أقامته شعائر الحب ما كنّا سندرك ذلك لولا هذا القلب الرقيق الذي ينبض بين ضلوعنا، كما أنّ القلب هو مصدر الإيمان والكفر واليقين، كما بينت ذلك الآية: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَ?كِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، حيث وجد العلماء أنّه يدرك من الأمور التي تتصل بالله والقرآن، بالاضافة إلى ما وجدوه في أنّ القلب له ذاكرة تشبه ذاكرة الدماغ لكنها أقلّ قدرة وحجم تقوم بتخزين آيات القرآن الكريم فيها،
كلُ منهما يآزر الآخر
وُجد بأنّ هناك تداخلاً كبيراً في أعمال القلب والعقل وإن كانت الفروق كبيرة بينهما، فكلّ منهما يكمّل الآخر فالعقل يختار ويدرك الموقف، ثمّ يقدم الدليل فيستفتي القلب فيقوم القلب بالنظر إليه من زاويته الخاصّة، ثمّ بعد ذلك تصدر الأحكام، فلا تطغى العاطفة على العقل ولا العقل على العاطفة، لأنّنا ونحن بهذا مُيّزنا فلا تنزل بنا العاطفة المحضة إلى عالم الحيوانات ولا يرتقي بنا العقل وحده إلى عالم الموجودات فنؤمن فقط بما نراه وننكر مالا نراه،كلا بل كلاهما يرتفع بدوره حتّى يصلان معاً إلى ما بعد المحسوس إلى عالم الغيبيات والإيمان به والاعتقاد دون أدنى شك.