اختلاف القدرات التعبيرية
تتراوح قدرة التعبير عن المشاعر، والأحاسيس، والمكنونات الداخليّة من شخص إلى آخر، ومن جنس إلى آخر، بل وربما حتى من منطقة إلى أخرى، ومردُّ ذلك يعزى إلى اختلاف الناس عن بعضهم البعض وفقاً لعوامل معيّنة، ويبدو ذلك واضحاً جداً عند التعامل والاحتكاك مع عدد كبير من الناس، فمثلاً، لو قارنا بين قدرات الرجال وقدرات النساء التعبيريّة، لوجدنا أنّ قدرات النساء في هذا المجال تفوق الرجال، فالنساء يعرفن أساليب إخراج ما في نفوسهم بشكل احسن وأفضل بكثير من الرجال الذين يميلون إلى كتمان مشاعرهم، ويتضاعف ضعف الرجال في التعبير عن أحاسيسهم من مجتمع إلى آخر، وكذلك النساء بسبب طبيعة العادات والتقاليد والأعراف الحاكمة.
إخراج المشاعر لا يكون عشوائياً خالياً من الضوابط والقيود، بل يجب أن يكون مقيداً بالعديد من الضوابط الهامّة، والتي يجب مراعاتها بشكل كبير، وعلى رأس هذه الضوابط ضابط الاحترام، فلا يجوز أن يخرج إنسان مشاعره على حساب مشاعر الآخرين، من خلال الاستهزاء بهم، أو التجريح بهم، أو حتى من خلال تعرف ما هو أبسط من ذلك، هذا إن كانت المشاعر الدفينة متمحورة حول الآخرين، أما في حال كانت المشاعر تخصّ الشخص ذاته، وتخص أحواله وأوضاعه، ففيما يلي بعض أبرز النقاط التي قد تعين على هذه الغاية:
طريقة التعبير عن المشاعر
- لا بد أولاً وقبل كل شيء أن يمتلك الإنسان حصيلة لغوية كبيرة جداً، فالإنسان الذي لا يتقن اللغة العربية خاصة الفصيحة منها سيضيع إحساسه وهو يالبحث عن الكلمات وعبارات المناسبة التي سينطق بها حتى يخرج ما في نفسه، وهذا سيسبب له بطئاً في كلامه، وزيادة في المساحات الصامتة بين الكلمة وأختها، مما يجعل المتلقي غير قادرٍ أبداً على استيعاب الحالة النفسية التي يمرّ بها هذا الإنسان، وربما سيشترك معه في تخمين هذه الحالة بقوله: (لعلك تشعر بكذا، أو كذا)، وهنا وفي هذه اللحظة تضيع المعاني كلها التي كانت من المفترض أن تؤثر في الشخص المقابل أيما تأثير؛ لأنّه حاول تكييف إحساسه هذا مع ما ينطق به من يستمع إليه من كلمات، فليس هناك من هو أقدر على وصف الإحساس من صاحبه، وإذا لم يستطع أن يصفه فليصمت وليكظمه فهذا أحصن له، خاصّة إذا عُرف عن الشخص المتلقّي قلّة الذكاء، أو تربصه لمن يستمع إليه، إذ إنّ التعامل مع هؤلاء الأشخاص قد يزيد من الأوضاع سوءاً نظراً إلى تفسير الكلمات وعبارات تفسيراً خاطئاً.
- يجب الإكثار من قراءة الأدب، والروايات، والقصص، ومشاهدة الأفلام، فهذا مما يزيد من قدرة الشخص على تكوين الجمل المفيدة، ومعرفة طبيعة الإحساس والحالة النفسيّة بشكل دقيق تماماً، فالكثير من الأشخاص لا يعرفون الحالة النفسيّة التي يمرّون بها، ولعلّ من أهمّ ما يميز الأدب الروسي قدرته على وصف الحالة النفسية التي تمر بها الشخصيات، إذ يحسّ القارئ أنّه مرّ في هذه اللحظة التي تمرّ بها الشخصيّة التي يقرأ عنها قبل ذلك، وبالتالي يعرف تماماً كيف يصف هذا الإحساس.
- تخيُّر الوقت المناسب للحديث مع الآخرين، فلا يجوز أن يعبّر أحدهم عن مشاعره لشخص غارق في عمله، أو لشخص يرى أمام ناظريه سرير نومه.
- التحلّي بالشجاعة في بعض المواقف، خاصّة بين الرجال، فالكثيرون، خاصّة في المجتعات الذكورية التي تنتشر فيها المفاهيم الخاطئة، تفشل علاقتهم بزوجاتهم؛ لأنّهم لا يعرفون الطريقة التي يعبّرون بها عن كم الحب الذي يكنونه لهنَّ، ممّا يؤدي إلى حالة الانفصال؛ لأنّ الزوجة لا تشعر أن زوجها يكن لها نفس المشاعر التي تكنّها هي له، فالزوجة كما أسلفنا أقدر على التعبير بمشاعرها، لا بل وتتباهى أمام الآخرين بحبها له.
- يمكن الاستعانة بالأبيات الشعرية، والحكم، والأقوال المأثورة في الكثير من الأحيان، فمثل هذا التراث يكون قادراً بشكل كبير على اختصار العديد من الكلمات.