يا له من شرف، وأي شرف لإحدى النساء أعظم من أن يكتب الله عز وجل لها أن تكون بنتا لأحد الرجال العظماء، الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان بعده نبي لكان هو، ويا له من شرف وليس كمثله شرف، أن تكون نفسها زوجة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، إنه شرف عظيم جمعته تلك الصحابية الجليلة، أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها وعن أبيها.
حفصة بنت عمر بن الخطاب ولدت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين؛ تزوجها خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي، وهاجرت معه إلى يثرب، ثم مات زوجها بعد الهجرة، وبعد انتهاء غزوة بدرة وعودة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الغزو، كانت حفصة رضي الله عنها مهمومة محزونة، حيث كان زوجها يعاني من سكرات الموت؛ أسرع عمر بن الخطاب لابنته للاطمئنان على زوج ابنته ولكن وجده قد فارق الحياة لترمل ابنته في سن مبكرة؛ تألم الفاروق على موت زوج ابنته، وعلى حال ابنته من بعده؛ وذات يوم لقي في طريقه عثمان بن عفان رضي الله الذي كان قد فقد زوجته رقية بنت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فعرض عليه أن يتزوج من حفصة، فأخبره عثمان أنه ليس له بحاجة في النساء، ثم التقى بأبي بكر الصديق فعرض عليه أن يتزوج حفصة، فسكت ولم يجبه، عندها غضب عمر رضي الله عنه، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "يزوج الله تعالى عثمان خيرا من ابنتك، ويزوج ابنتك خيرا من عثمان، وبعدها بأيام خطب الحبيب المصطفى حفصة رضي الله عنها.
التقى عمر بأبي بكر الصديق، فقال به الصديق: "لعلك وجدت في نفسك على أني لم أجبك حين عرضت علي الزواج من حفصة، فلم أجب عليك"، فأجابه عمر: نعم، فأخبره أبو بكر أنه ما منعه عن ذلك إلا أنه علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرها، وأنه ما كان له أن يفشي سر رسول الله، وأخبره أنه لو تركها صلى الله عليه وسلم لتزوجها، وبعدها تزوج عثمان رضي الله عنه من أم كلثوم بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
عاشت أمنا حفصة في بيت خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم حياة على اجمل وافضل وجه، واحسن وأفضل حال، وحفظت وتعلمت منه صلى الله عليه وسلم، وروت عنه الكثير من الأحاديث.
ولقد تميزت أمنا حفصة بلقب عظيم لم يكن لغيرها، وذلك أنها لقبت بحارسة القرآن، ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حينما جمع القرآن الكريم في عهده، أوكل إليها حفظ نسخة القرآن الكريم عندها، وبقي كذلك حتى عهد عثمان رضي الله عنه حينما جمع القرآن الكريم على حرف واحد.
عندما اقترب أجله صلى الله عليه وسلم بكت رضي الله عنها بقلب محزون، وما كان من سلوى لها إلا عبادتها، والتصدق على الفقراء كما اعتادت.
توفيت رضي الله عنها بعد مرض ألم بها في شهر شعبان من العام الخامس والأربعين للهجرة بعد عمر قضته في طاعة ربها.