كانت تجلسُ "حفصة" وحيدة وهي في العشرين من عمرها، بعدما مات زوجها "خنيس بن حذافة"، ويزورها والدها - عمر بن الخطاب - ليواسيها، فيتألم لألمها، ولفقدها زوجها، وبعد انتهاء عدتها يفكر بتزويجها ولكن لمن؟
وحين كان يسير في الطريق فإذا به يلتقي عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيعرض ابنته عليه، وكان عثمان قد فقد زوجته رقية بنت رسول الله بعد وفاتها فقال عثمان لعمر رافضاً: " ما لي رغبة في النساء".
فازداد الحزن في قلب عمر بن الخطاب وأكمل طريقه فإذا به يلتقي أبو بكر الصديقن فيعرض حفصة عليه، لكن أبو بكر لم يجبه بشيء، فغضب عمر واتجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو له همه، فدخل على الرسول والغضب والحزن والهم يلمع في عينيه وقال له ماحدث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" يزوج الله تعالى عثمان خيراً من ابنتك، ويزوج ابنتك خيراً من عثمان".
وبعد عدة ليالي تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لخطبة حفصة من عمر بن الخطاب، الذي فرح بهذه المصاهرة، وصار بدرجة قريبة من درجة أبي بكر الصديق من رسول الله.
وبعدها التقى عمر بن الخطاب بأبي بكر الصديق والذي فسر له سبب عدم إجابته على عرضه بالزواج من حفصة، لأن الرسول قد كان ذكرها له، وباح له بأمر خطوبتها، فلم يحب أن يفشي سره.
ولما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها ، تزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه من أم كلثوم بنت رسول الله، فكانت له خير من حفصة.
وقضت حفصة رضي الله عنها حياتها في بيت رسول الله كزوجة رابعة بعد عائشة بنت خويلد و سودة بنت زمعة و عائشة بنت أبي بكر، وحظيت بالشرف الرفيع وتبوأت المنزلة التي تبوأتها أمهات المؤمنين.
وقضت حياتها في بيت رسول الله قوامة صوامة متدبرة كلام الله مرتلة للقرآن الكريم ومعانيه عاملة بأحكام وإرشادات رسول الله، ونقلت بعض الأحاديث، وحين طلقها الرسول صلى الله عليه وسلم تطليقة واحدة، جاء له جبريل وأشار له بعدم تطليقها وإرجاعها لأنها صوامة قوامة وهي زوجته في الجنة، فنالت بذلك شرف من الله تعالى سبحانه وتعالى.
وتعلمت الكتابة وكانت أديبة بالغة، تكتب النظم والشعر حتى إذا جاءت والدها سكرات الموت بعدما طُعن عمر بن الخطاب بخنجر مسموم قالت فيه : "أكظم الغلة المخالطة القلب ...وأعزي وفي القرآن عزائي...لم تكن بغتة وفاتك وجدًا....إن ميعاد من ترى للفناءِ" .
ولما توفي عنر رضي الله عنه كانت "الوديعة الغالية" وهي نسخة القرآن المكتوب و المجموع في عهد أبي بكر مودوعة لدى حفصة فطلبها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأقسم لحفصة بإرجاع النسخة لها، فأعطته النسخة وأمر عثمان بنسخ القرآن الكريم كي يحافظ على استمراره وانتقاله للأجيال المسلمة فكان ذلك.
وتوفيت حفصة رضي الله عنها في العام الخامس و الأربعين من الهجرة، إثر مرض وتعب و إرهاق، وجاء أجلها في شعبان، وارتقت إليه سبحانه وتعالى رضي الله عنها.