تحتلّ السّيدة عائشة بنت أبي بكر الصّديق رضي الله تعالى عنها مكانةً خاصّة في نفوس المسلمين، فهي أحبّ النّاس إلى قلب النّبي عليه الصّلاة والسّلام، كما أنّ أبوها هو أوّل من آمن بالدّعوة من الرّجال، كما أنّه لازم النّبي ونصره وصدّقه حين كذّبه النّاس، وقد تزوّجها النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وهي بنت تسع سنين، وقد ساهم صغر سنّها في أن تلقّت العلم والفقه والحديث من النّبي الكريم بعقليّةٍ ثاقبة وحفظٍ شديد متقن، فكان الخلفاء من بعد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يستشيرونها، ويأخذ الصّحابة العلم منها، وقد كانت تفاخر بنفسها بين أزواج النّبي عليه الصّلاة والسّلام لأنّها البكر الوحيدة بينهن.
وقد كانت السّيدة عائشة شديدة الغيرة على رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، حتى أنّه وحين ذكر يومًا السّيدة خديجة رضي الله عنها غضبت وقالت ما بالك بامرأةٍ عجوز قد أبدلك الله خيراً منها، فقال النّبي الكريم والله ما أبدلني الله خيراً منها، وذكر مناقب السّيدة خديجة وكيف وقفت معه بنفسها وآمنت به وصدّقته وشاركته في مالها، وقد روي عن غيرة السّيدة عائشة على النّبي قصص كثيرة منها أنّها كسرت إناءً فيه طعام أهدي إلى النبيّ من إحدى زوجاته، وما كان رد النّبي الكريم إلّا أن قال غارت أمّكم .
وبعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه اصطفت السّيدة عائشة في معسكر المطالبين بدم الخليفة المقتول وضرورة الاقتصاص له، وقد شجّعها بعض النّاس على الخروج إلى العراق للاقتصاص من قتلة عثمان، وكان من بين الصّحابة الّذين خرجوا معها: طلحة بن عبيد الله، والزّبير بن العوّام رضي الله عنهما، وقد حصلت معركة بين معسكر السّيدة عائشة ومعسكر الإمام علي سمّيت بمعركة الجمل نسبةً إلى الجمل الّذي كان يحمل هودج السّيدة عائشة، وقد انتهت المعركة بانتصار معسكر الإمام علي، وقد أكرمها الإمام علي وكلّف أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر الذي كان يقاتل في صفّه للعودة بها إلى المدينة.
وقد توفّي النّبي عليه الصّلاة والسّلام بين سحرها ونحرها ودفن في حجرتها، وقد كانت تأمل بأن تدفن بجانبه، ولكن بعد وفاة سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه طلب منها الإذن بأن يدفن مع صاحبيه؛ أي بجانب قبر النّبي وأبي بكر، فأذنت له السّيدة عائشة، فدفن في المكان الّذي كانت ترجو أن تدفن فيه، وعندما توفّاها الله دفنت في مدافن البقيع عام 58 للهجرة رحمها الله ورضي عنها.